6 مراحل للغزو الروسي لأوكرانيا خلال عام (إضاءة)
نشرت وكالة الأناضول مقالا تحليلا بعد مرور عام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وبينت أنه رغم مرور سنة لم يحسم أي طرف الوضع لمصلحته، لتدخل المنطقة في حرب استنزاف لا تعرف نهايتها. فموسكو التي اعتادت على الحروب الخاطفة في كل من جورجيا وشبه جزيرة القرم، تخوض حرب استنزاف في أوكرانيا واضطرت إلى تقليص طموحاتها في البلاد.
بينما لم تتمكن أوكرانيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي “ناتو” من استعادة كامل أراضيها، لكنها حققت بعض الانتصارات بفضل الأسلحة النوعية التي حصلت عليها. ومرت الحرب خلال هذه الفترة بعدة مراحل كانت بمثابة نقاط انعطاف في مسار المعارك، وفي كل مرحلة برزت أحداث وأسلحة ساهمت في قلب مجريات الحرب دون أن تحسمها لأي من الطرفين.
ـ المرحلة الأولى: التقدم الروسي الشامل
حاولت روسيا إخفاء نيتها بشأن شن عملية عسكرية شاملة على أوكرانيا، رغم الشكوك التي كانت تحوم حولها بعد قيامها بمناورات عسكرية مع روسيا البيضاء قرب الحدود الشمالية لأوكرانيا.
وفي 24 فبراير 2022، شن الجيش الروسي هجوما شاملا على أوكرانيا من الشمال والشرق والجنوب، وتمكن في ظرف أسابيع من اجتياح عدة مدن وبلدات.
وسيطر الجيش الروسي خلال هذه المرحلة على نحو 20 بالمئة من مساحة أوكرانيا، بما فيها الضواحي الشمالية والشرقية من العاصمة كييف، وعلى محطة تشرنوبيل النووية الخارجة عن الخدمة، ومحطة زباروجيا النووية لإنتاج الكهرباء، الأكبر من نوعها في أوروبا.
كما اجتاح معظم أجزاء مقاطعة خيرسون في الجنوب، بما فيها عاصمة المقاطعة التي تحمل الاسم نفسه، والمحاذية لشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو إليها بالقوة في 2014. فلم يحل ربيع 2022، حتى كانت القوات الروسية في أوكرانيا تشكل قوسا من الشمال إلى الجنوب يوشك أن يطبق فكيه على كييف.
وكان هذا القوس يمتد من ضواحي كييف ومقاطعة تشيرنيهيف في الشمال، ثم مقاطعات خاركيف ولوهانسك ودونيتسك في الشرق، إلى زاباروجيا وخيرسون في الجنوب. كانت كييف تخوض معركة البقاء بعد أن خسرت أسطولها في البحر الأسود، وتم تحييد معظم سلاحها الجوي، وتدمير معظم القواعد الجوية خاصة في النصف الشرقي لنهر دينبرو، الذي يقسم البلاد إلى نصفين.
ـ المرحلة الثانية: انكماش الطموحات الروسية
طول جبهة القتال وامتدادها على مئات الكيلومترات سبّب مشاكل لوجيستية للجيش الروسي، حيث وجدت عدة وحدات عسكرية نقصا في الإمداد بالذخيرة والوقود والتموين، ما صعب تقدمها، بل جعلها هدفا سهلا للقوات الأوكرانية. وما عمّق جراح الجيش الروسي دخوله في حرب مدن، خاصة بضواحي كييف ومدينة خاركيف، اللتين شهدتا مقاومة شرسة من القوات الأوكرانية، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى الروس وتدمير آلياتهم.
كما لعبت طائرات بيرقدار التركية المسيرة التي اقتنت كييف عددا منها، دورا حاسما في وقف تقدم أرتال القوات الروسية نحو المدن الأوكرانية، بل وضرب خطوط إمدادها الخلفية. كما ساعد تزويد الجيش الأوكراني بصواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع، وصواريخ ستينغر المضادة للمروحيات في إلحاق عدة هزائم بالجيش الروسي، خاصة في حرب المدن.
وأمام هذا الوضع الصعب الذي واجهته القوات الروسية في الميدان، وجدت أنه من الصعب عليها ابتلاع دولة بحجم أوكرانيا مدعومة من حلف الناتو، ما دفعها إلى تغيير تكتيكها الحربي، وتخفيض حجم أهدفها، لتقليص الخسائر البشرية والمادية في صفوف قواتها، ومعالجة نقاط الضعف المتعلقة خاصة بالتخطيط والإمدادات.
ومع نهاية مارس 2022، وعقب انتهاء مفاوضات إسطنبول، شرعت القوات الروسية في الانسحاب من ضواحي كييف، ومن المناطق الشمالية الشرقية لأوكرانيا، وركزت مجهودها الحربي على المناطق الشرقية والجنوبية، ذات الأغلبية السكانية من أصول روسية.
المرحلة الثالثة: ملحمة ماريوبول
بعد أكثر من شهرين من القتال الضاري والقصف العنيف، تمكن الجيش الروسي وبدعم من الوحدات الشيشانية بقيادة رمضان قديروف، من السيطرة على مدينة ماريوبول الاستراتيجية، المطلة على بحر آزوف. ويفخر الطرفان بهذه المعركة، فالأوكرانيون يشيرون إلى المقاومة البطولية لعدد قليل من الجنود، وصمودهم في مواجهة قصف عنيف سَوى المدينة بالأرض، وتسبب في سقوط آلاف القتلى من المدنيين المحاصرين.
بينما يرى الروس أنهم تمكنوا من ربط مناطقهم في إقليم دونباس بمقاطعة خيرسون وشبه جزيرة القرم، بعدما كانت جيوبا منفصلة، فضلا عن تحول بحر آزوف إلى بحيرة روسية. فماريوبول كانت مركز قيادة للجيش الأوكراني في عملياته ضد متمردي دونباس الموالين لروسيا.
كما أنها المعقل الرئيسي لكتيبة آزوف القومية، التي تعتبرها روسيا منظمة إرهابية وتصف أعضاءها بالنازيين الجدد. حيث تمكنت القوات الروسية من أسر العديد من أعضائها بعد استسلامهم إثر محاصرتهم لأيام طويلة في مصنع الحديد الصلب “أزوف ستيل” بالمدينة.
المرحلة الرابعة: هجمات خاركيف الخاطفة
انسحاب القوات الروسية من محيط كييف، شجع القوات الأوكرانية المحتشدة في العاصمة على التحرك نحو مقاطعة خاركيف التي شهد مركزها حرب شوارع، ما اضطرها للانسحاب مبكرا من المدينة التي تحمل الاسم نفسه، ولكنها سيطرت على عشرات البلدات في المقاطعة ولم تنسحب منها.
ففي النصف الأول من شتنبر 2022، شنت القوات الأوكرانية هجوما خاطفا على القوات الروسية في مقاطعة خاركيف، وتمكنت من استعادة نحو 3 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي، وحررت قرى وبلدات استراتيجية وعلى رأسها مدينة إيزيوم. إذ لعبت صواريخ هيمارس الأمريكية، التي حصلت عليها أوكرانيا من واشنطن في يونيو/ حزيران 2022، دورا حاسما في إنهاء الجمود على جبهات القتال خلال فصل الصيف.
فمدى صواريخ هيمارس يراوح بين 60 و80 كلم، في حين لا يتجاوز مدى الدبابات وراجمات الصواريخ الروسية 20 إلى 40 كلم، الأمر الذي منح القوات الأوكرانية أفضلية في المعارك، وتفوقا في ضرب القواعد الخلفية وخطوط الإمداد الروسية، ما أدى إلى تساقط سريع لبلدات ومدن المقاطعة.
وأمام هذه الهزائم العسكرية، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطوة سياسية، عندما ضم أربع مقاطعات أوكرانية (لوهانسك ودونيتسك وزباروجيا وخيرسون) إلى الاتحاد الروسي بعد استفتاء شعبي في 30 شتنبر، لم تعترف به الأمم المتحدة ومعظم دول العالم.
المرحلة الخامسة: الانسحاب من خيرسون
بعد الانتصارات التي حققها الجيش الأوكراني في الجبهة الشرقية بخاركيف، نقل ثقله الهجومي إلى الجبهة الجنوبية في مقاطعة خيرسون، وشكلت صواريخ هيمارس ضغطا شديدا على القوات الروسية في المنطقة.
إذ استهدفت صواريخ هيمارس خطوط الإمداد للقوات الروسية المتقدمة في خيرسون الواقعة على الضفة الشمالية لنهر دنيبرو، ما وضعها أمام خطر التطويق والحصار من القوات الأوكرانية في الشمال والنهر من الجنوب، مع احتمال نفاد الذخيرة وتوقف الإمدادات، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء والثلوج.
وعلى هذا الأساس جاء قرار موسكو الانسحاب من مدينة خيرسون الاستراتيجية، في أكتوبر، رغم أن المدينة تعد العاصمة الوحيدة لمقاطعة سيطرت عليها منذ 24 فبراير 2022.
كان قرارا محبطا لمعنويات الجيش الروسي، لكنه كان ضروريا أيضا ضمن خطة جديدة تهدف للتحصن بمواقع طبيعية منيعة خلف نهر دنيبرو، وأخذ موقع دفاعي لاستنزاف قدرات الجيش الأوكراني وحلفائه خلال الشتاء القارس، استعدادا لهجوم متوقع في الربيع.
بالمقابل، كثف الجيش الروسي هجماته بالصواريخ الفرط صوتية من نوع كينجال (الخنجر)، والمسيرات الإيرانية من نوع “شاهد”، الرخيصة التكلفة، ما تسبب في خسائر فادحة في البنية التحتية الأوكرانية خاصة في محطات الكهرباء، كما استنزف مخزون صواريخها المضادة للطائرات باهظة الثمن. من جهة أخرى، تلقت روسيا ضربة جرحت كبرياءها عندما تم تفجير أجزاء من جسر القرم الرابط بين البر الروسي وشبه جزيرة القرم، في 8 أكتوبر 2022.
المرحلة السادسة: باخموت والاستعداد لمعارك الربيع
منذ بداية فصل الشتاء، لم تحدث تحولات استراتيجية في ساحة المعركة باستثناء المحرقة التي تجري في مدينة باخموت ومحيطها، والتي يخوض فيها الطرفان معارك كسر عظم، شبهها البعض بـ”مفرمة لحم”، مع استنزاف مخزون الذخائر، خاصة من الجانب الأوكراني، وفق مراقبين.
ورغم أن باخموت الواقعة في مقاطعة دونيتسك، ليست بالأهمية الاستراتيجية لخيرسون أو خاركيف أو حتى ماريوبول، فإن الطرفين يستميتان في القتال للسيطرة عليها، ما تسبب في حرب استنزاف لهما. وفي الأسابيع الأخيرة، تمكنت وحدات شركة فاغنر الأمنية من السيطرة على مدينة سوليدار، المتاخمة لباخموت، كما دخلت القوات الروسية إلى بعض أحياء الأخيرة، ما شكل نصرا معنويا للروس.
لكن الأهم من ذلك، استعداد الطرفين لمعركة الربيع، خاصة من الجانب الأوكراني الذي تلقى وعودا بتزويده بدبابات هجومية من نوع أبرامز الأمريكية، وليوبارد الألمانية وتشالنجر البريطانية، بالإضافة إلى صواريخ باتريوت الأمريكية المضادة للطائرات.
ما يبرز استعدادا أوكرانيا بدعم غربي للقيام بهجوم واسع في الربيع لاستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجيش الروسي. بينما من المتوقع أن تزج روسيا بترسانة جديدة من الأسلحة التي لم تدخل الحرب بعد إلا بشكل تجريبي ما سيؤدي إلى توسيع نطاق القتال.
وكالة الأناضول