حتى لا نغفل عن فضل العشر الأولى من ذي الحجة
مع حلول شهر ذي الحجة، وفي هذا الشهر الحرام: الأيام المعلومات والأيام المعدودات. فالأيام المعلومات هي العشر الأولى منه والأيام المعدودات هي أيام العيد من اليوم العاشر إلى الثالث عشر، والمسلم إذا اقترب منه موسم من مواسم الخير يتهيأ له حتى يغتنم ما فيه من فضل وحتى لا نغفل عن فضل هذه الأيام المقبلة كان هذا التوجيه.
ا – أقسم الله تعالى بهذه العشر في قوله عز من قائل : ” والفجر وليال عشر ” وجمهور المفسرين من السلف وغيرهم أنها العشر الأولى من ذي الحجة ، وإقسام الحق سبحانه وتعالى بها تنويه بقدرها وفضلها ولفت النظر إليها .
ب _ سماها سبحانه وتعالى بالأيام المعلومات :في قوله جل ذكره ، ” ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ” سورة (ص) ، وجمهور العلماء أنها العشر الأولى من ذي الحجة وهو قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس .
ج _ أن فيها يومين عظيمين هما يوم التاسع والعاشر: يوم عرفة ويوم النحر، فيوم عرفة يوم المغفرة والدعاء، ويوم النحر: يوم الحج الأكبر ويوم عيد الأضحى وهو أفضل أيام السنة عند طائفة من العلماء .
ولأن هذه الأيام بهذه المكانة فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها دون أن يسمي نوعا منه دون آخر، ولا شك أن في هذه العشر، تجتمع الصلاة والصيام والحج والصدقة وغيرها، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني الأيام العشر : قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء” رواه البخاري
ومن الأعمال التي يستحب القيام بها في هذه العشر :
1 – الصيام: وهو من أفضل الأعمال الصالحة، وفي الحديث المتفق عليه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى : ” كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا اجزي به و الحسنة بعشر أمثالها ، يدع طعامه و شرابه و شهوته من أجلي ” و في الحديث الآخر : ” من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا ” و من أيام العشر: يوم عرفة و هو التاسع، و قد جاء في صيامه فضل خاص ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :: ” صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله و التي بعده ” رواه مسلم.
فمن قدر على صيام العشر كلها فهو الأفضل ومن لم يصمها كاملة فليصم منها ثلاثة أيام أو يوم عرفة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو أن يصوم من الشهر ثلاثة أيام تكون عند المداومة عليها كصيام الدهر .
ومع الصيام أنواع الطاعات الأخرى مثل تلاوة القرآن وحفظه و تفسيره، والذكر الكثير وإطعام الطعام والإحسان إلى الوالدين والأقارب والزوجة والأبناء والجيران، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، فان الصوم ترك وهذه الأعمال فعل.
2 – الصلاة: بالمحافظة عليها في مواقيتها و شهودها مع جماعة المسلمين في المساجد والاجتهاد بعد أداء الفرائض في الإكثار من النوافل نهارا وليلا، فان الصلاة فريضة الله على عباده كل يوم خمس مرات، وما تقرب العبد إلى ربه بأفضل مما فرض عليه، ولا يزال يتقرب إليه بالنوافل حتى يحبه كما جاء في الحديث الصحيح .
3 – الذكر بأنواعه : من التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم، وإن من أعظم الذكر: تلاوة القرآن الكريم، وحضور مجالس العلم التي يتلى فيها كتاب الله عز وجل، وتتلى فيها أحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وتبين فيها أحكام الحلال والحرام، وتذكر فيها أسماء الله الحسنى وصفاته وآياته وبيناته، وقد جاء فضل ذلك كله، فكيف إذا كان في الأوقات الفاضلة مثل هذه العشر التي تقارن بالعشر الأخيرة من رمضان.
روى الإمام احمد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد، وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، رواه البخاري وقال : وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا، وكان ابن عمر يكبر بمنى في تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا .
4 – الدعاء : ومن الذكر: الدعاء، فهو العبادة، وهذه الأيام أيام دعاء، إذا كان فيها المسلم صائما قائما ذاكرا متصدقا فليكثر من الدعاء و خاصة في يوم عرفة، ففي الحديث “أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة” – و لم يخصه بالحجاج وحدهم – و تتمة الحديث ” وأفضل ما قلته أنا والنبيئون قبلي لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد وهو على كل شيء قدير”
5 – الحج والعمرة لمن قدر عليهما : فإن الحج لا يكون إلا في الأيام المعلومات والمعدودات وهي في هذا الشهر من الثامن إلى الثالث عشر والعمرة للمتمتع تسبق الحج ويمكن أن يفرد العمرة وحدها في هذه الأيام
ويشارك المسلمون الحجاج في نسك الذبح ، ومن أراد أن يضحي فليمسك عن شعره و أظفاره من أول الشهر إلى أن يذبح أضحيته فإنها سنة لكنه لا يشارك الحجاج بقية محظورات الإحرام الأخرى .
وغني عن البيان أن هذه الأيام الفاضلة ليست لفعل شيء من المنكرات، فإذا أقبل المسلم على الطاعات فليكن مقرونا بالبعد عن المعاصي والذنوب، باطنها وظاهرها، علانيتها وسرها، وليراقب قلبه ولسانه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وفمه وفرجه، حتى لا يخدش الإثم ما قدم من البر، وفي الحديث ” إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه “، وشهر ذي الحجة معدود في الأشهر الحرم، فله حرمة الشهر الحرام كما قال تعالى : ” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم” وشهر ذي الحجة منها، فهو شهر حرام لا يحل فيه الظلم سواء كان ظلما للنفس أو ظلما للغير . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في خطبة الوداع : ” إن دمائكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا “
وإن الحسنات لتضيع من صاحبها يوم القيامة إذا جاء وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا، فالواجب عليه أن يعمل الصالحات ويصون ثوابها كي لا يضيع منه .
6 – إطعام الطعام وإنفاق المال : فهما من العمل الصالح، وفعل ذلك في الأوقات الفاضلة أعظم أجرا وثوابا، فإذا صلى وصام وذكر الله تعالى ودعا ثم أطعم الطعام وأنفق المال فقد جمع بين عبادة البدن وعبادة المال، وإذا تقرب إلى الله تعالى بالفرض والنفل وعمل البر واجتنب الإثم فقد حاز الخير من جميع جوانبه إن شاء الله تعالى .
الدكتور محمد عز الدين توفيق