وهبت نسائم عام جديد – كلثوم بندية
وهبت نسائم عام جديد ولوح عام بالوداع مؤذنا بالانقضاء ….
لحظة تختلط فيها المشاعر فلا ندري أنفرح بقرب معانقة فرصة جديدة – حيث الفرص دائما مدعاة للفرح لجدتها ومثيرة لحماسة الاقتناص والتباهي بحسن الاستثمار ومحفزة لهمة بلوغها ونيلها –
هل نفرح بالأيام والليالي والشهور الآتية، ونتمنى لأمتنا ولبعضنا البعض أياما سعيدة لا نذوق الآلام والهموم التي حبل بها العام الموشك على الانتهاء ؟؟
أم نحزن لفراق عام انتهى أو أوشك على الانتهاء وقد كان لنا فيه أخطاء وعثرات وإخفاقات وهموم محزنات وكان فيه أيضا بعض أمور مفرحات ….؟؟ إلا أنه رغم ذلك يحزننا فراقه فهو جزء من أعمارنا، أليس يقول الحسن البصري عليه رحمة الله : ” يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، إذا ذهب يومك ذهب بعضك ” .
ألم يذهب منا عام كامل ..عام سيقفل سجله إلى يوم القيامة؟
“أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة “
لقد انتهى كومضة ضوء أو ربما كطيف داعب الخيال ..ماذا عساه يخبر ربه عن صحبتنا له ؟؟؟
هو مجرد رسول ..بل مجرد وعاء ملأناه بما عملنا، فأي ذكر سيذكرنا ؟؟
هل كنا في صحبته من أهل الصلاح والبر والاستقامة أم غير ذلك ؟
هل كنا كما يحب خالقه وخالقنا أم عشناه كما نحب نحن ويحلو لنا ؟
ليتنا نستطيع أن نمسك سويعاته الأخيرة وما تبقى من دقائقه وثوانيه ..لنعتذر ونستدرك …
“فإنه لم نغرغر بعد “، لنخبره أن ما سلبنا الشيطان والنفس والهوى يمكن أن نسترجعه
في لحظة ثورة على لصوص العمر ….
في لحظة استغفار …
في لحظة توبة …
في لحظة هجرة ….
في لحظة ينهمر فيها الدمع على الخدود أوبة، ويرتمي القلب في نهر التخلي ليغسل أدرانه، ويلقي على شواطئه أغلال الغفلة وطلب الدنيا، وتستجمع الجوارح عزمتها على الانصياع والاستسلام لأمر الله .
هي الهجرة إذا ….. وإذا عزمت يا قلبي فاعلم أنك صاحبي في المسير..
زادنا تقوى : “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ” سورة البقرة .الاية : 197
وراحلتنا : هذا الجسد المثخن من سهام الدنيا والهوى والشيطان، إلا أنه يستطيع أن يوصلنا إن سلكنا طريق الهجرة صدقا وعزما لا نكوص فيه، ما أحوجنا في هذه اللحظات إلى الصدق مع النفس ومع الله، فما بقي من العام إلا سويعات لنبلغه اعتذارنا عن سوء الصحبة ونرجوه أن يخبر الله عنا أننا نرغب برغم ذلك أن نأتي الله يوم لا ينفع مال ولا بنون ” بقلب سليم “.
أرأيت يا قلب كم صارت هذه السويعات مهمة بل خطيرة ..هي كفيلة بأن تجعل عامك يخبر الله عنك أن صحبتك – رغم كل تقصير- كانت صحبة خير وصلاح وفلاح أو يخبر الله عنك بغير ذلك لا قدر الله.
هل تذكر يا قلب كم قرأت قوله تعالى : والعصر، إن الإنسان لفي خسر ..
والفجر، وليال عشر …
والضحى، والليل إذا سجى …. وغير ذلك من السور التي أقسم الله عز وجل فيها بالزمان ومررت فيها على هذه الإشارة القرآنية ولم تفهم كنهها … الآن ستعرف كم هي حيوية وفاصلة أحيانا .
لحظة تجعلنا نكون من صحبة الخير أم من صحبة السوء …
وإذا لم تستبصر من هذه الآيات ولا زال هناك وقت ، فتوشك أن تعرفها عند انتهاء الأعوام المقدرة أن تكون أجزاءك وتكون من أهل هذه الآية :
“حتى إذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون “المؤمنون.
وهناك بارقة أمل ….
لا تحزن يا قلب فالعبرة بالخواتيم، وكي لا تكون الخاتمة محزنة فاسلك إلى ربك طريق الهجرة متخففا من كل زاد غير تقواك وصدق المسير .. فإذا سلكته بلغت بإذن الله
وسوف يخبر العام ربه عنا بكل خير، فالهجرة تجب ما قبلها وتهدمه، فلنعلم أولا أن الهجرة هي ما كان لله خالصا.
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول:
“إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”. رواه البخاري ومسلم
وإذا ما لاحت فرصة في الأفق كانت مدعاة وحافزا للاقتناص:
فلا تحزن يا قلب لعل الله يرزقنا بفرصة جديدة : عام جديد بشهوره وأيامه ولياليه، فلعله يكون فرصة أخرى نبني بها العالم الجديد بداخلنا، كما بناه المصطفى صلى الله عليه وسلم في مجتمع المدينة فردا فردا ونبنيه من حولنا مجتمعا صفا يشد بعضه بعضا.
فرصة لنبني الإنسان الصالح فينا ونلملم شتاته ونجمع عليه أمره ونعيد ضبط بوصلته : أنه من الله وإلى الله يمضي ويسير، ونقيم الدين بداخله، فيعظم الشعائر ويقف عند الحدود ويروض الجوارح لتكون سباقة إلى الخيرات وتصغر الدنيا في عينيه ليتجدد بريق الإيمان فيهما .
الفرص إذا لاحت قفز عليها كل قناص محترف لا تضيع منه لعلها لا تأتي فرصة أخرى بعدها ولنكن زراع الفسائل، شعارنا في عامنا هذا قول ربنا عز وجل :
“وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ” (136) سورة ال عمران
هذا عام جديد وعلى عملنا شهيد فلنتزود منه فإنه لا يعود إلى يوم القيامة، أسأل الله لي ولكم عاما طيبا ، وإذا تنافس الناس الدنيا فيه أن نكون ممن سابق في مضمار الآخرة لا يبخل على نفسه بأي جهد .