واقع الأمازيغية على ضوء مشروع القانون 20-04 – محمد روجان
في الوقت الذي اعتقدنا فيه أن النقاش حول الأمازيغية بات من الماضي وأن الأمازيغية صارت لغة رسمية كأختها العربية في الإدارة والتعليم، تفاجأنا بمشروع القانون 04-20 الذي أعدته وزارة الداخلية المتعلق بالبطاقة الوطنية، والذي أقصى الأمازيغية من بنوده وأحلت محلها اللغة الأجنبية غير الدستورية. هذا الحدث يؤكد بأن جزء كبير من مسؤولي الدولة لازالو يفكرون بدستور 1996 ولا رغبة لهم بالدسترة الفعلية للأمازيغية.
فالقارئ لمشروع القانون 20-04 (المادتين الرابعة والخامسة ) سيجد بأنه ينص
على كتابة المعلومات الشخصية في البطاقة الوطنية وبيانات أخرى بالحرفين العربي واللاتيني، في إقصاء واضح للغة الأمازيغية الدستورية؛ وتعويضها بلغة أجنبية لا دستورية ولا قانونية؛ وحسب دستور 2011 فالقانون السالف الذكر غير قانوني ولا سند له دستوريا، حيث ينص الدستور في الفقرة الثانية من التصدير بأن الدولة تتعهد ب “صيانة تلاحم وتنوع مقومات الهوية الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية والاسلامية والأمازيغية…”، كما ينص الفصل الخامس منه على أن “الأمازيغية تُعد لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”، ونص أيضا على اصدار قانونين تنظيميين، يتضمن الأول مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم والإدارة وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والثاني يخص المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
وبالرجوع إلى القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، خاصة المادة 21 منه التي تنص على : “تُحرر باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية كل الوثائق الرسمية، وذكر على رأسها “البطاقة الوطنية للتعريف”. كل ما ذكرناه من نصوص قانونية ودستورية، يجعلنا نتساءل؟ أي فتوى تم الاعتماد عليها لكتابة مشروع القانون 20-04؟ وما الفائدة من النصوص القانونية إذا كانت الدولة أول من يخرقُها؟ فهؤلاء المسؤولين غير المسؤولين لم يطلعوا على تاريخ المغرب لتغيير أفكارهم ومواقفهم القومية، فلم يعلموا بأن أصل هذه الدولة أمازيغية- هذه بعض المحطات التاريخية التي مر منها المغرب لعل وعسى تصل إلى قلوبهم وتذكرهم بأن أصل المغرب أمازيغ – :
فالدماء التي تجري في عروقنا نحن سكان المغرب تعود جينات إرثها إلى أوائلنا منذ فجر التاريخ وهو خليط أجناس بشرية احتلت بلادنا مدة قرون وهي: الفينيقيون من سنة 814 إلى سنة 146 قبل المسيح مدة الاحتلال ما يقارب سبعة قرون، ثم بعدهم الرومان 146 ق م إلى 439 م والفاندال من سنة 430 إلى سنة 533 والبيزنطيون من سنة 534 م إلى سنة 647 م ثم الفتوحات الإسلامية الذي جاء بها عقبة بن نافع وموسى بن نصير ابتداء من سنة 647 م، وتلاته تغربة الهلاليين وكذلك مجيء اليهود مع العرب الأندلسيين المطرودين من طرف ملوك إسبانيا سنة 1492م ثم الأتراك سنة 1518 إلى سنة 1830 هذا بالنسبة للجزائر وأخيرا الاستعمار الفرنسي والإسباني والبريطاني من سنة 1830 إلى سنة 1962، هؤلاء جميعا اختلطت دماؤهم بدمائنا في شمال افريقيا عامة والمغرب خاصة وبقيتا اللغة والثقافة الأمازيغيتين صامدتين ضد كل الضربات، فكما ناضل الأجداد ضد التبعية والاستعمار، سيناضل الأحفاد كذلك لتبقى الهوية الأمازيغية حية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكل من يستهزئ بها وينتقص منها فمصيره مزبلة التاريخ.
لهذا، من غير المعقول استمرار نظرة احتقار تجاه الأمازيغية، فإذا كان الدستور مُلزم للجميع، فهو ينص على الهوية الأمازيغية، ولا يمكن الحديث عن أي إصلاح دون هوية وطنية أساسه الأمازيغية، فمبنطق القانون، أصبح لزاما على الجميع الانخراط في ورش إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية وتنميتها وإعطائها المكانة اللائقة بها، ويعتبر الاهتمام بالأمازيغية مسؤولية مشتركة لدى جميع المغاربة، وليست قضية الأمازيغ منهم فقط، فما وقع طيلة العقود الأخيرة جعل موقع الأمازيغية اليوم حال دون ما تستحقه بكثير.
لقد كان للتمركز المفرط لنموذج العقلية القومية والذي سيطر لفترة طويلة في دواليب الدولة، دورا في تكريس توجهات تنمط المجتمعات ثقافيا ولغويا وفي سياسات تدبير الشأن العام. وأضر ذلك بالخصوصيات الثقافية واللغوية في كثير من الدول، وما الأمازيغية إلا واحدة منها. ولذلك تعبَأت جهات دولية عديدة للدفاع عن الثقافات واللغات التي تواجه التهديد. ومن بين تلك الجهات منظمة اليونسكو التي رصدت في أحد تقاريرها بأن آلاف اللغات في وضعية الخطر، ومهددة بالانقراض في هذا القرن، ومع الأسف توجد من بينها اللغة الأمازيغية، وذلك بفعل التمدن وعدم الاهتمام حينا وبفعل التهميش والإقصاء حينا آخر. وهكذا أضحى الوضع اللغوي المتنوع في الأساس بسبب تنوع الروافد الحضارية للمغرب يتجه نحو اندثار مكون لغوي هو الأصلي تاريخيا. إننا إذن أمام قضية كبيرة وخطر ذي بال، نحتاج معها إلى تعبئة وطنية لوضع برامج كفيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولا سبيل إلى ذلك إلا بمباشرة إجراءات العدالة اللغوية؛ فمن حق الأمازيغ أن يطمحوا لتكون لغتهم لغة الحياة والمعرفة وتسمو إلى مصاف اللغات العالمية، وأن يتفاؤلوا لرؤية الأمازيغية في الدعوات الرسمية؛
فإن كان عدم وجود مقتضيات دستورية وقانونية في السابق جعلت المسؤولين يتهربون من الالتزام بأي برامج جادة في هذا المجال، وقد ظهر فعلا أنه على الرغم من الخطابات والتعهدات المقدمة، هناك من لم يهتم بإنجاح ورش تعليم الأمازيغية واعتبره عبئا على الدولة لا واجبا وطنيا، أما اليوم فغير مقبول بتاتا التهاون والتقصير، وأن الجميع مُلزم بالتدخل لإعطاء الأمازيغية المكانة اللائقة بها في المدرسة والإعلام والإدارة وغيرها،
فلا يمكننا الحديث اليوم في مغرب ما بعد دستور 2011 عن الديمقراطية، وفي نفس الوقت نقصي الأمازيغية ثقافة ولغة. فالانتقال الديمقراطي لن يكون سليما وحقيقيا إلا بإعطاء هذه الرسمية الحمولة الحقيقية على اعتبار أن الأمازيغية مرتكز رئيسي في الثوابت الوطنية وجزء أصيل وأساسي في الشخصية المغربية ورافد من روافدها تاريخيا وثقافيا ولغويا.
إن عدم الوعي بأهمية ما تكتسيه المرحلة بالنسبة للغة الأمازيغية بعد ترسيمها دستوريا، هو أصل النزاع الموجود حاليا والذي سيستمر بين مختلف الفاعلين، وقد يؤدي ذلك إلى الدخول في صراعات جانبية قد تعصف بالوحدة الوطنية، في هذا السياق، أُشير إلى خطابات تنحو واحدا من منحيين. الأول تقليل شأن المرحلة وإنكار معاناة الأمازيغية لغة وثقافة، وربما الإصرار على إبقاء الأمازيغية على هذا الوضع؛ المنحى الثاني إدخال الأمازيغية في الصراعات الأيديولوجية بشكل سلبي أو وضع الأمازيغية والعربية في وضعية صراع وتقابل. ومع هذه الخطابات تتعدد الاتهامات والاتهامات المضادة.
ومن هنا فمن الضروري الاتفاق في قضية محورية مثل هذه على موقف وسطيا وتوافقيا في الدفاع عن الأمازيغية لتتبوأ مكانتها اجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وإداريا، والنأي بها عن طرفي الاحتقار والاستصغار من جهة، أو الربط بنزوعات التحكم السياسي أو التعصب من جهة أخرى.
لقد تأخرنا كثيرا لنطرح موضوع القضية الأمازيغية بروح أخوية نسعى من خلاله إلى بناء مغرب مبني على العدالة والمساواة والديمقراطية الحقة. وإن كانت هذه مسئولية مختلف الفاعلين – رسميين وشعبيين – . فإن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الفاشل إلى حد الآن بتمكين الأمازيغية في التعليم والإدارة، مدعو ليقوم بتنظيم حوارا وطنيا، يشرك فيه مختلف الفاعلين، لنشر الوعي الحقيقي بالقضية وتحدياتها، ويُسهم في التعبئة لإنجاحها، إلى أن يعود للمجتمع المغربي توازنه اللغوي والثقافي الذي اختل بفعل مدد من الاستكبار وعدم الاعتراف بالأصل أننا أمازيغ، كما يجب أن يعمل لتكون الأمازيغية موضوع توافق قادر على أن يحصن المغرب من النزوعات السلبية العرقية والعصبية.