هل يصحح المجلس الأعلى الخطأ الفادح ويرد الأمور إلى نصابها في الهندسة اللغوية – خالد الصمدي
في سياق اشتغال المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي هذا الأسبوع بإبداء الرأي في مرسوم الهندسة اللغوية والهندسة البيداغوجية لنظام الإجازة بالتعليم العالي، اللذين أحالتهما عليه الحكومة.
وفي سياق المؤشرات التي تدل على تدني مستوى التلاميذ المغاربة في المواد العلمية والتقنية كما أثبتت ذلك نتائج الباكالوريا خلال السنتين الماضيتين، والصعوبات التي عانى منها التلاميذ في امتحانات الباكالوريا لهذه السنة خاصة مادة الفيزياء وغيرها من المواد العلمية بسبب الضعف في اللغة الفرنسية المفروضة كلغة آحادية في تدريس هذه المواد.
نؤكد من جديد على أن فرض الفرنسية كلغة وحيدة لتدريس المواد العلمية والتقنية منذ دخول الباكالوريا الفرنسية تحت غطاء مسمى “المسالك الدولية ” إلى المدرسة المغربية، والشروع في فرضها القسري على أبناء المغاربة بالتدريج منذ سنة 2012 حتى أصبحت اليوم إجبارا يسمى زورا وبهتانا اختيارا، مخالفة صريحة لتوجيهات جلالة الملك، الذي يؤكد في كل خطبه ذات الصلة بإصلاح التربية والتعليم على المزاوجة بين اللغات الوطنية والأجنبية في تدريس المواد العلمية والتقنية، حيث قال جلالة الملك بكل وضوح في خطاب العرش 2015، وهي المناسبة التي يرسم فيه جلالته في العادة التوجهات الكبرى للسياسة العامة للدولة: “ومن هنا فإن إصلاح التعليم يجب أن يهدف أولا إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات وإتقان اللغات الوطنية والأجنبية ولا سيما في التخصصات العلمية والتقنية التي تفتح له أبواب الاندماج في المجتمع. “
مخالف للرؤية الاستراتيجية التي بلورت هذا التوجيه الملكي في هندسة لغوية متوازنة تحفظ للغات الوطنية مكانتها وتضمن الانفتاح على اللغات الأجنبية فنصت على التناوب اللغوي الذي يعتبر أن ” اللغة العربية هي اللغة الأساس للتدريس، مع تدريس بعض المضامين والمجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية. “
ومخالف لمقتضيات القانون الإطار الذي لم يفصل بدوره بين اللغات الوطنية واللغات الأجنبية في تدريس المواد العلمية والتقنية، واعتمد خيار التنوع والتعدد اللغوي وقطع مع الأحادية اللغوية في تدريس المواد العلمية والتقنية، حيث نصت المادة 2 على ما يلي “تنويع لغات التدريس إلى جانب اللغتين الرسميتين للدولة وذلك بتدريس بعض المواد ولا سيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين والمجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية”، دون أن يحدد لغة أجنبية بعينها تكريسا لحرية المنظومة التربوية المغربية في اختياراتها اللغوية دون تبعية قسرية للغة بعينها.
وفي سياق الأجرأة نصت المادة 31 على أن الهندسة اللغوية المعتمدة في البرامج والمناهج والتكوينات المختلفة تنبني على المبادئ التالية :
- تمكين المتعلم من إتقان اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبية ولا سيما في التخصصات العلمية والتقنية مع مراعاة مبادئ الانصاف وتكافؤ الفرص،
- اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس ( دون تحديد مواد بعينها ) ، وتطوير وضع الأمازيغية ضمن إطار عمل وطني واضح متناغم مع أحكام الدستور ” ،
- العمل على تهيئة المتعلمين من أجل تمكينهم من إتقان اللغات الأجنبية في سن مبكرة وتأهيلهم قصد التملك الوظيفي لهذه اللغات، وذلك خلال أجل أقصاه سنوات ابتداء من دخول هذا القانون الإطار حيز التنفيذ ( لم تدخل هذه المقتضيات حيز التنفيذ بعد ) ،
- يتعين على المؤسسات التربوية الأجنبية العاملة بالمغرب الالتزام بتدريس اللغة العربية واللغة الأمازيغية لكل الأطفال المغاربة الذين يتابعون تعليمهم بها على غرار المواد التي تعرفهم بهويتهم الوطنية “.
ونصت المادة 32 على تنويع الخيارات اللغوية في المسالك والتخصصات والتكوينات والبحث على صعيد التعليم العالي، لتكون باللغة العربية أو الانجليزية أو الإسبانية أو الفرنسية، وإدراج وحدة دراسية تلقن باللغة العربية في جميع التخصصات المدرسة باللغات الأجنبية في التعليم العالي.
إن فرض خيار الفرنسية لتدريس المواد العلمية والتقنية مخالف لكل هذه المقتضيات جملة وتفصيلا، وقد قضى هذا التوجه على كل حظوظ الإنصاف وتكافؤ الفرص الذي ينشده مشروع إصلاح المدرسة المغربية، والنموذج التنموي للمملكة.
فهل يستند المجلس إلى هذه التوجيهات الملكية والنصوص القانونية في رد الأمور إلى نصابها، ويصحح الخطأ الفادح الذي لا مرجعية له في كل ما سبق من توجيهات ملكية ونصوص قانونية، حتى يضمن لأبناء المغاربة حقهم الدستوري في تملك لغاتهم الوطنية والاعتزاز بها عن طريق تدريسها والتدريس بها في مختلف التخصصات، وضمان انفتاحهم على الموزون على اللغات الأجنبية خاصة اللغة الإنجليزية مما يخلصهم من التبعية اللغوية، ويمكنهم من الانفتاح الثقافي والحضاري والاندماج في سوق الشغل، وفق منظور متوازن بجمع بين الهوية والتنمية؟؟
نتمنى أن لا يخطأ المجلس باعتباره مؤسسة دستورية موعده مع التاريخ.