هل يساهم تعنت نتنياهو تجاه غزة في عزل كيان الاحتلال دوليا؟

يواجه الكيان الصهيوني منذ بداية حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة، شبه عزلة بدأت الشهر الماضي حينما قامت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتواصل مع حركة “حماس” مباشرة، ثم دخول ويتكوف في مفاوضات مباشرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشاره رون ديرمر، إضافة لقادة حماس في الدوحة، عبر وساطة رجل الأعمال الفلسطيني الأمريكي بشارة بحبح قبل أيام.
وتوالت ردود الأفعال الدولية المستنكرة للوضع الإنساني في قطاع غزة، خاصة مع استمرار إغلاق المعابر ورفض الاحتلال دخول المساعدات إلى القطاع، في الوقت الذي تستمر آلته العسكرية في قصف المديين العزل الذين يواجهون الموت على أكثر من صعيد، فإن لم يكن بالرصاص والقصف فسيكون بسبب الجوع، إذ يواصل نتيناهو استراتيجية “الحرب المستمرة” التي تسقط كل يوم عشرات من الشهداء والجرحى، وعدم السماح بفتح مسارات إنسانية لإغاثة الشعب المكلوم.
وازداد الأمر سوء بعد أن قرر نتنياهو شن هجوم بري على القطاع من جديد، وصرح الأسبوع الماضي، أنه سيقوم باحتلال كل غزة، وهو ما يسعى له بكل قوة رغم الأصوات التي تتعالى داخل “إسرائيل” وخارجها داعية إلى وقف الحرب وفسح المجال للدعم الإنساني لأكثر من مليون إنسان يعيشون تحت وطئة الحصار والجوع منذ شهور، وشبح الموت يصطاد منهم المزيد يوما بعد يوم.
صراع داخلي
أولى الصيحات التي علت في وجه نتنياهو كانت من أحزاب المعارضة في حكومته، ومن أبرز الشخصيات السياسية في الكيان، إيهود اولمرت الذي قال أنه يعارض نتنياهو أكثر فأكثر ويقف ضده وضد حكومته، متهما إياه بتعميق حالة الاستقطاب والانقسام داخل “إسرائيل”، مشددا على ضرورة سحب الجيش “الإسرائيلي” من غزة وإنهاء الحرب، معتبرا أن جزء كبير من الشعب “الإسرائيلي” لا يثق في نتنياهو وحكومته وسياسته.
أما يائير غولان فصرّح في مقابلة مع قناة “كان بي” أن “الدولة العاقلة لا تشن حربا على المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تضع لنفسها هدف ترحيل السكان”. وأضاف أن “هذه الحكومة مليئة بأشخاص لا علاقة لهم باليهودية، ومليئة بأشخاص انتقاميين، يفتقرون إلى الأخلاق، وغير قادرين على إدارة البلاد في وقت الطوارئ. وهذا يشكل خطرًا على وجودنا ذاته”.
فيما هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية، “يائير لابيد” بشدة رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، متهما إياه بالتسبب في أسوأ تدهور أمني وسياسي تشهده “إسرائيل” في تاريخها.
وأكثر ما يقض مضجع نتنياهو فهو الهجوم عليه بعد أن قام بتعيين اللواء ديفيد زيني رئيسا لجهاز الأمن الداخلي (شاباك) خلفا لرونين بار، مما أجج خلافات حادة وقوبل بانتقادات واسعة، كما خرجت مظاهرات احتجاجا على القرار.
ووُصف قرار نتنياهو في إسرائيل بأنه تحد للقضاء، إذ جاء بعد يوم من إصدار المحكمة العليا قرارا اعتبرت فيه أن قرار إقالة رونين بار “غير ملائم ومخالف للقانون”.
ينضاف إلى كل هذا، تعنت الحكومة في إيجاد حل توافقي مع حماس من أجل تحرير الرهائن، مما دفع بعشرات المتظاهرين إلى اقتحام مقر حزب الليكود الحاكم، خلال مظاهرات حاشدة لإحياء ذكرى مرور 600 يوم على احتجاز أبنائهم في قطاع غزة.
ردود أفعال دولية ضد الكيان
في بريطانيا، دعا أكثر من 800 محام وأكاديمي وقاض كبير متقاعد، بما في ذلك قضاة سابقون في المحكمة العليا، الحكومة البريطانية بفرض عقوبات على حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” ووزرائها، وأن تفكر أيضا في تعليق عضويتها في الأمم المتحدة للوفاء بالتزاماتها القانونية الدولية الأساسية.
ورحب هؤلاء في رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بالبيان المشترك الذي أصدره الأسبوع الماضي مع زعيمي فرنسا وكندا، والذي حذّر فيه من استعدادهم لاتخاذ “إجراءات ملموسة” ضد الاحتلال. وحثّوه على التحرّك فورا، لاتخاذ إجراء عاجل وحاسم لتجنّب تدمير الشعب الفلسطيني في غزة.
وفي فرنسا، شدد 300 كاتب على أن التزام الصمت يجعلهم شركاء في جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال “الإسرائيلي” في غزة، داعين إلى فرض عقوبات على الكيان.
وقال الكُتاب إنه حان الوقت لعدم الاكتفاء بوصف ما يحدث في قطاع غزة بالرعب، بل يجب تسميته بـ”الإبادة الجماعية”، كما طالبوا بوقف فوري لإطلاق النار، وتأمين العدالة للفلسطينيين، وتحرير الرهائن الإسرائيليين، وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين تعسفا في السجون الإسرائيلية، “ووضع حد، بلا تأخير، لهذه الإبادة الجماعية التي يتحمل مسؤوليتها كل واحد منا”.
وفي سياق متصل، قال الممثل الأعلى السابق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الزعماء السياسيين الغربيين الذين ينتقدون “إسرائيل” بأنهم معادون للسامية، “أمر حقير”.
وأضاف بوريل أن “نتنياهو يرد على كل الانتقادات باتهامنا بمعاداة السامية. أعتقد أنه من الحقارة وصف من ينتقدون ما يحدث بمعاداة السامية”، مشيرا إلى أن نتنياهو يرتكب إبادة جماعية ويسعى للقضاء على الشعب الفلسطيني.
وأدان بوريل العنف والقمع الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، قائلا: “من الواضح أن هناك احتلالا ونفيا في الضفة الغربية. يعيش الفلسطينيون هناك في دولة فصل عنصري”.
من جهة أخرى، أعلن رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، أن حكومته ستستدعي السفير “الإسرائيلي” من أجل الاحتجاج على “رفض إسرائيل السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة”، وقال كريسترسون إن “الاتحاد الأوروبي يجب أن يفرض عقوبات ويمارس ضغوطا دبلوماسية على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة”.
وكانت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا ستينرغارد أعلنت في الـ20 من ماي الجاري، أن بلادها ستتحرك داخل الاتحاد الأوروبي للضغط من أجل “فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين معينين، بسبب معاملة إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين في غزة”.
المزيد من الاعتراف بفلسطين
عيّنت كولومبيا خورخي إيفان أوسبينا أول سفير لها في الأراضي الفلسطينية، وهو رئيس سابق لبلدية مدينة كالي ومقرب من الرئيس غوستافو بيترو، وفق ما أعلنت الخارجية الكولومبية.
وكان الرئيس اليساري أعلن في ماي 2024، قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، واتهم حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” بأنها تنفذ إبادة جماعية في غزة.
ويأتي تعيين أوسبينا سفيرا لدى فلسطين في أعقاب موافقة السلطة الفلسطينية في 5 مايو، وفق ما جاء في مرسوم وقعته وزيرة الخارجية لورا سارابيا في 22 مايو.
بدوره، أعلن رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين شهر يونيو المقبل خلال مؤتمر دولي برئاسة فرنسية – سعودية سيعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك لدعم حل الدولتين.
وأشار أبيلا إلى أن هذا الاعتراف يأتي بعد 45 عاما من الجدل مؤكدا أن مالطا لا يمكنها تجاهل المأساة الإنسانية في غزة.
وتستضيف مالطا سفيرا فلسطينيا وصوتت سابقا لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة دون أن تعترف رسميا بها.
من جانبها، دعت أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا إلى منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة والاعتراف بدولتها على أساس حدود 1967، وجددت التزامها بحل الدولتين.
جاء ذلك في بيان مشترك للدول الأوروبية الأربع نشرته الخارجية الإسبانية على موقعها الإلكتروني عقب اجتماع مجموعة “مدريد+” بعد عام من اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.
ويهدف الاجتماع الذي عُقد في مدريد إلى تجديد وتعزيز الالتزام الدولي بحل الدولتين، مشددة على أن الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والمتصلة جغرافيا ضمن حدود معترف بها دوليا وتشمل قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها “القدس الشرقية” هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن وتلبية التطلعات الوطنية المشروعة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، بحسب البيان.
عزلة رياضية
وعلى خلفية العدوان الغاشم التي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وارتكابه جرائم إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني، انطلقت دعوات للاتحاد الأوربي بحظر الكيان المسمى بـ”إسرائيل” من المشاركة في المسابقات الرياضية، وجاء أول رد فعل رسمي على هذه الدعوات من مفوض الاتحاد الأوروبي للرياضة جلين ميكاليف، حيث ألمح إلى ضرورة استبعاد “إسرائيل” من المنافسات الرياضية.
وأدان مفوض الرياضة الأوروبي الوضع الإنساني الخطير في غزة وقال “إن العالم الرياضي بحاجة إلى التحدث عن هذه القضايا. وتابع “الرياضة أداة نستخدمها لتعزيز السلام، ومن خلالها نعزز حقوق الإنسان، مضيفاً أن الحركة الرياضية مستقلة، وتتخذ قراراتها بنفسها، ولكن من واجبنا ومسؤوليتنا التعبير عن مشاعرنا”.
وشهد العالم الرياضي دعوات متكررة لمقاطعة مشاركة الاحتلال “الإسرائيلي” في المسابقات الدولية، من الألعاب الأولمبية إلى كأس العالم، على الرغم من رفض مثل هذه المقترحات إلى حد كبير حتى الآن.
وتعرضت مشاركة الدولة العبرية في مسابقة الأغنية الأوروبية لانتقادات لاذعة، إذ دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في 19 ماي إلى استبعاد “إسرائيل” من مثل هذه الفعاليات، وقال: “لا يمكننا السماح بازدواجية المعايير، حتى في مجال الثقافة” .
والأسبوع الماضي أيدت أغلبية دول الاتحاد الأوروبي، مراجعة الاتفاق السياسي بين الاتحاد و”إسرائيل”، بسبب هجومها على قطاع غزة، كما استدعت عواصم أوروبية مثل روما وباريس عددا من سفراء الاحتلال الإسرائيليين لديها، بعد أن اعترفت القوات “الإسرائيلية” بإطلاق “طلقات تحذيرية” على وفد دبلوماسي أوروبي كان يزور مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة.
موقع الإصلاح