هل يرجع المجلس الأعلى للتربية ببعض ملفات الإصلاح إلى نقطة الصفر؟ – خالد الصمدي
في أول كلمة له في افتتاح الدورة الأولى للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والتي رسم فيها التوجهات العامة للمجلس في المرحلة القادمة، ركز الاستاذ الحبيب المالكي الرئيس الجديد المجلس على ضرورة ربح رهان الإستمرارية والتراكم لكسب رهان إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في الآماد المحددة، وذلك من خلال البناء على ما تم إنجازه واستشراف المستقبل في الأوراش المفتوحة بالعمل على إتممها، أو التي ينبغي فتحها وإنجازها، مع التحلي بالنجاعة اللازمة والإسراع في التدبير.
وقد تفاءل الجميع خيرا بهذا التوجه الذي ينسجم تماما مع الغايات التي رسمها جلالة الملك لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وترجمت عمليا في مقتضيات القانون الإطار 17-51 والذي جاء ليضمن الاستمرارية، وليقطع مع سياسة الإصلاح وإصلاح الإصلاح التي عانت منها المنظومة التربوية المغربية سنين عددا.
وفي هذا السياق أصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في ولايته السابقة العديد من الآراء في ما أحيل إليه من طرف الحكومة من مشاريع قوانين أو في إطار الإحالة الذاتية طبقا لصلاحياته القانونية، مع تتبع مآل هذه الآراء من خلال التقارير السنوية التي يصدرها المجلس عن مجريات تقدم الإصلاح وفق استراتيجية عمل واضحة. ومن هذه الآراء التي أصدرها المجلس:
- الرأي رقم 2021/12 حول مشروع القانون 59.21 المتعلق بالتعليم المدرسي، الصادر في نونبر 2021
- والرأي رقم 2021/9 بشأن مشروع مرسوم بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية بالتعليم المدرسي والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي الصادر في غشت 2021
ولا يزال هذان الرأيان بعد صدورهما عن المجلس منشوران في البوابة الإلكترونية للمجلس لحد كتابة هذه الأسطر.
وكان من المنتظر أن تعمل الحكومة الحالية على تكييف هذه المشاريع مع ملاحظات المجلس واقتراحاته ووضع هذه النصوص في مسطرة المصادقة، مع إعداد نصوص تشريعية جديدة وإحالتها إلى المجلس لإبداء الرأي بشأنها طبقا للقانون، إلى أن طلعت علينا بعض وسائل الإعلام تفيد أن الاجتماع الأخير لمكتب المجلس برئاسة الأستاذ الحبيب المالكي قد قرر تكليف لجنتين من اللجن الدائمة للمجلس بإعداد رأي جديد حول التعليم المدرسي وآخر حول الهندسة اللغوية، دون بيان سبب ذلك.
وهذا من شأنه أن يطرح جملة من الأسئلة تحتاج الى جواب يطمئن الرأي العام حول مسار الإصلاح:
أولها حول مدى وفاء المجلس للتوجهات التي رسمها رئيسه والتي ركز فيها على ضمان الاستمرارية والتراكم في كلمته الافتتاحية للدورة الأولى للولاية الحالية للمجلس، في الوقت الذي انخرط المجلس خلافا لذلك في إبداء رأي جديد في نصوص سبق إبداء الرأي فيها مما يمكن أن يعده البعض مراجعة لتركة المجلس السابقة برئاسة الأستاذ عمر عزيمان، ومؤشرا على أن المجلس يمكن أن يراجع كل الآراء التي أصدرها المجلس في الفترة السابقة حول النصوص القانونية التي أحيلت إليه من طرف الحكومة ولم تضعها بعد في مسطرة المصادقة التشريعية أو لم تدخل بعد إلى حيز التنفيذ.
ومن ناحية ثانية هل تم اللجوء إلى هذا الإجراء بناء على إحالة جديدة من رئيس الحكومة أم هي مراجعة بإحالة ذاتية من طرف المجلس؟ في الوقت الذي كان منتظرا أن تدخل هذه النصوص حيز التنفيذ ربحا لزمن الإصلاح، وذلك بعد مرور ما يقرب من سنتين على صدور رأي المجلس بشأنها.
ثم ما هو الإطار القانوني لهذا الإجراء ( المراجعة )؟ إذا ما علمنا بأن القانون المنظم للمجلس لا يتضمن في أي بند من بنوده ما يؤطر لعملية مراجعة الآراء بعد صدورها ونشرها، كما أن القانون الداخلي للمجلس لا يتضمن أي مسطرة يتم اتباعها بهذا الشأن.
ومن ناحية أخرى يطرح هذا التوجه سؤالا ثالثا حول قانونية الآراء التي أصدرها المجلس السابق بعد نهاية ولايته القانونية وقبل تعيين المجلس الجديد، هذه الفترة الانتقالية التي أصدر فيها المجلس العديد من الآراء استنادا على عمل خبراء المجلس وفي غياب أجهزته المتمثلة في اللجن الدائمة والجمعية العامة التي من المفروض أن تصادق على هذه الآراء والتقارير التي يصدرها المجلس قبل إحالتها إلى رئيس الحكومة ، وتنشر للرأي العام عبر البوابة الإلكترونية للمجلس، وهو الموضوع الذي سبق أن أجاب عنه المجلس السابق عبر بلاغ صحفي في الموضوع يوضح من خلاله قانونية آرائه في المرحلة الانتقالية ضمانا لاستمرارية الإصلاح وعدم توقف أوراشه.
إن عدم تفسير سبب لجوء الأستاذ المالكي ومكتبه الى تكليف اللجن الدائمة للمجلس لإصدار رأيين جديدين سبق المجلس أن أعد فيهما رأيه وأحالهما برسالة رسمية إلى رئيس الحكومة، بما يتطلبه ذلك من جهد ووقت مقتطع من زمن الإصلاح بعد مرور ما يقرب من سنتين من صدور الرأيين السابقين، يقتضي التوضيح، والمجلس وحده هو الذي يملك الأجوبة التي يكشف فيها عن مبررات هذا القرار سيرا على عادة هذه المؤسسة الدستورية في التواصل مع الفاعلين والمهتمين والرأي العام.