هل يبادر المجلس العلمي الأعلى للتوضيح مرة أخرى؟
سؤال يبدو ملحا وموضوعيا، بعدما تابع المغاربة تصريح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حول خطة تسديد التبليغ، والخطباء الملتزمين بالخطبة الموحدة وغير الملتزمين بها، وتحديد نسبة هؤلاء في حدود خمسة بالمائة (1300 من الخطباء) ووصف أمرهم بالمرض الذي ينبغي للعلماء معالجته، ووصف المعترضين على توحيد الخطبة بالمشوشين.
لا شك أن كثيرا من المغاربة سيتفاعلون مع هذه الأوصاف بأشكال وتعبيرات متنوعة، وسيظهر صدى ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أوضح. وعلة هذا التفاعل هو الاحترام والتقدير الذي يحظى به خطباء الجمعة في نفوس المغاربة، والغيرة عليهم، ورفضهم أن يوصفوا بما وصفوا به.
كما أن تصريحات السيد الوزير ستلقي بظلالها على السادة الخطباء خاصة، وباقي القيمين الدينيين عامة، وستترك في نفوسهم ما ستتركه من آثار سيئة للغاية؛ إذ لم يعتد الخطباء أن يتلقوا مثل هذه الأوصاف من قبل المسؤولين على الشأن الديني بالمغرب.
ومما يجدر توضيحه أن هؤلاء الخطباء لم يخالفوا توجيهات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولا المجلس العلمي الأعلى في شيء. إذ سبق لوزارة الأوقاف أن نشرت في موقعها على الانترنت بطائق تتضمن توضيحات بشأن الخطبة الموحدة، و أكدت إحدى هذه البطاقات أن “ أمر تعميم الخطب هو مؤقت وليس دائما“، ثم أكدت في بطاقة ثانية أنه “سيستمر الخطباء بعد ذلك في إعداد خطبهم مجتهدين في بناء هذه المضامين اعتمادا على كفاءتهم وهم محل ثقة، مبلغين ومرشدين وناصحين للناس بما ينفعهم ويصلح أحوالهم في دنياهم وأخراهم إن شاء الله”، فيما أكدت بطاقة ثالثة أن “ السادة الخطباء والوعاظ كانوا ولا يزالون يتمتعون بحرية تصحبها مسؤولية في إلقاء خطبهم ومواعظهم، باعتبارهم محل ثقة وكفاءة في ذلك”.
ثم صدر إعلان المجلس العلمي الأعلى حول الخطبة الجمعة الصادر بتاريخ 8 يوليوز 2024م، وأكد فيه ” أنه سيقترح على السادة الخطباء، خطبة الجمعة الموالية … لمن أراد اعتمادها”.
وهكذا يقر إعلان المجلس، بتعبير صريح واضح لا لبس فيه، أن ما يضعه بين أيدي السادة الخطباء من خطب إنما هي مقترحات لمن أراد اعتمادها، ومن ثم فمن البداهة الاستنتاج بأن هذه غير ملزمة، سواء لمن أخذ بها أو لم يأخذ.
والنتيجة الطبيعية لهذا المنهج المعتمد أن ينقسم الخطباء إلى فريقين: بعضهم يلتزم بالخطبة الموحدة، وبعضهم لا يلتزم بها؛ بغض النظر عن نسبة هؤلاء ونسبة أولئك، كما افترق حجاج بيت الله الحرام في النفر من منى أيام التشريق، لما خيرهم الله تعالى بقوله: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 203]، ولكن الفريقين معا داخلان في دائرة المشروعية التي اقتضاها التخيير، ومأجوران على ما عملا به
فما هي دواعي تصريحات وأوصاف السيد الوزير؟
هل انتهى الأمر المؤقت ودخلنا مرحلة الدوام والتأبيد؟
هل انتهت فترة اقتراح الخطب ودخلنا مرحلة الإلزام والإجبار؟
هل انتهى زمن حرية السادة الخطباء والوعاظ؟ ومن أذن بسلبهم هذه الحرية؟
هل صدر قرار بإلزام الخطباء بالتقليد والكف عن الاجتهاد؟
هل تبين في الخطباء من نقص الكفاءة وانعدام الثقة ما يقتضي هذا العدول والتراجع؟
هذه جملة أسئلة نرى أنها تفرض نفسها في محاولة فهم تصريحات السيد الوزير ودواعيها وسياقها، ونرى أن المجلس العلمي الأعلى معني بإصدار إعلان جديد يقدم فيه توضيحات واستدراكات لمعالجة الأمر، بما عهد فيه المغاربة من تؤدة وحكمة وعفة لسان.