هل وقع المغرب في حرج أمام القمة العربية الإسلامية في قطر؟ – بلال التليدي

الكثيرون تساءلوا بعد صدور البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية الإسلامية في قطر عن حرج الدول التي وقعت الاتفاقات الإبراهيمية، ودخلت مربع التطبيع مع تل أبيب، وكيف يمكن لها أن تتعاطى مع نقطة «دعوة الدول العربية والإسلامية إلى مراجعة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع دولة الاحتلال واتخاذ كافة التدابير القانونية والفعالة الممكنة لمنع إسرائيل من مواصلة أعمالها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني»؟
البعض لاحظ أن المغرب ممثلا في شخص الأمير رشيد لم يلق أي كلمة في القمة، واعتبر أن ما قام به وزير الخارجية في قمة وزراء الخارجية الدول العربية والإسلامية كان كافيا للتعبير عن موقفه وللمساهمة في صياغة الحد الأدنى العربي الإسلامي المشترك، ولم يكن المغرب الوحيد في نهج هذا السلوك، فقد اختارت خمس وعشرون دولة من مجموع خمسة وخمسين عضوا في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية المؤتمر أن لا يدلي قادتها وزعماؤها وممثلوها بأي كلمة في الجلسة العلنية حسب إفادات نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، كما لاحظ الجميع أن صيغة الدعوة لقطع العلاقات مع تل أبيب لم تكن ملزمة، فاكتفى البيان الختامي بدعوة كل دولة بشكل منفرد إلى القيام بالمتعين، وهو ما تمت قراءته من زاوية الالتزام الأخلاقي، وليس السياسي، وأيضا من زاوية مراعاة مصالح كل دولة، وحريتها في ترجمة هذا المقتضى حسب السياق السياسي.
يبدو الأمر إشكاليا بالنسبة إلى المغرب وكذا الدول التي وقعت اتفاقات أبراهام مع تل أبيب وواشنطن، فقد اعتبر البعض أن قمة الدوحة وضعت هذه الدول أمام مأزق سياسي وأخلاقي، لكن، من زاوية أخرى، ثمة قراءة معتبرة، ترى أن مخرجات قمة الدوحة جمعت كل المواقف العربية الممكنة، ولم تدفع في اتجاه واحد، فقد تضمن بيانها الختامي ثلاثة مواقف أساسية:
الموقف المبدئي المتعلق بإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان واليمن والدوحة، وفضح سياستها الإبادية والتوسعية في المنطقة، وتأكيد خطرها على استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.
والموقف العملي، المرتكز أساسا على فكرة ممارسة الضغط على تل أبيب بكل الوسائل الممكنة، قانونيا وسياسيا واقتصاديا وحقوقيا ودبلوماسيا، والمساهمة الفاعلة في تعزيز عزلتها الدولية حتى ترتدع وتكف عن سياستها التدميرية والعدوانية بالمنطقة.
ثم الموقف المرجعي، المتعلق، بالمنطلق الذي تنطلق منه الدول العربية والإسلامية لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، إذ شكلت مرجعية السلام والتسوية وفق الرؤية العربية الأساس الناظم للعلاقة المفترضة بين الدول العربية والإسلامية وتل أبيب، وضمن هذا السياق، نفهم التأكيد على استمرار جهود الوساطة لإنهاء الحرب على غزة، ودعوة المجتمع الدولي إلى دعم جهود تسوية عادلة في المنطقة خاصة ما يخص علاقة تل أبيب وبين سوريا ولبنان.
شكلت مرجعية السلام والتسوية وفق الرؤية العربية الأساس الناظم للعلاقة المفترضة بين الدول العربية والإسلامية وتل أبيب، ما يؤكد هذا الاستنتاج، أن تل أبيب قصفت جنوب لبنان والدول العربية والإسلامية مجتمعة في قمة الدوحة، ومع ذلك لم ينهض هذا السلوك العدواني ليشكل سببا لتحويل قرار مراجعة العلاقات العربية الإسلامية مع تل أبيب من مربع الالتزام الأخلاقي إلى مربع الالتزام السياسي، ثم إن ديناميات التسوية طيلة مدة انعقاد القمة لم تتوقف، فقد زار وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو تل أبيب بتزامن مع انعقاد القمة العربية الإسلامية، وتعهد باستمرار التفاوض وإنهاء ملف المحتجزين دفعة واحدة، وتحدث الرئيس الأمريكي عن قطر، وقال بشكل واضح بأن الدوحة تمارس السياسة في محيط صعب ومعقد، وأنها حليف استراتيجي لأمريكا، وأنها ستستمر في الوساطة إلى جانب واشنطن والقاهرة لإنهاء الحرب وتسليم المحتجزين، كما زار وزير الخارجية الأمريكي الدوحة، وهو يحمل الرسالة نفسها، أي استمرار التفاوض لإنهاء الحرب على غزة.
المغرب معني ـ بدون شك ـ بمخرجات قمة الدوحة، في شقها المبدئي والمرجعي، إذ لم تمنعه الاتفاقات الإبراهيمية من أن يعبر عن استنكاره وشجبه للسياسة العدوانية الإسرائيلية، وذلك في مختلف محطات الإبادة والعدوان الإسرائيلي على مدى سنتين من الحرب على غزة، لكن على مستوى إدارة الموقف العملي، أي مدى قدرته على الاستجابة لنداء القمة العربية الإسلامية في الدوحة بضرورة مراجعة العلاقات مع تل أبيب اقتصاديا ودبلوماسيا.
فالرباط توجد في حرج شديد تجاه هذا الالتزام الأخلاقي والسياسي، وسبب ذلك، أن ملف الصحراء، الذي اشترط المغرب حله مقابل الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية، يمر بمنعطف حاسم، سياسيا وأيضا زمنيا، فمن الناحية السياسية، فقد تعهدت واشنطن التي اعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء بحل هذا الملف في ضوء المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهو ما تتقاسمه ثلاث دول أعضاء دائمة في مجلس الأمن(الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا) ويجد دعما دوليا واسعا في ظل تراجع واندثار أطروحة تقرير المصير.
أما من الناحية الزمنية، فقد حددت الإدارة الأمريكية ستة أشهر بعد أبريل الماضي كسقف لحل هذا الملف، إما بإخراجه بالمطلق من اللجنة الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار، أو بالاتفاق على تسويته من خلال مبادرة الحكم الذاتي، وهو ما انطلقت بشأنه ديناميتان متوازيتان: الأولى للمبعوث الأمريكي مسعد بولس إلى المنطقة، والذي مارس ضغوطا شديدة على الجزائر من أجل مراجعة موقفها من قضية تقرير المصير، ودعم إطار تفاوضي جديد أو دفع جبهة البوليساريو لمفاوضات مباشرة مع المغرب على أرضية الحكم الذاتي. والثانية، للمبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان ديمستورا الذي بدأ جولته إلى المنطقة للتمهيد لجلسة أكتوبر الحاسمة في مجلس الأمن.
معنى ذلك أن الزمن السياسي والدبلوماسي لا يساعد المغرب على المدى القريب لإنهاء التطبيع مع تل أبيب، وأن الرباط معنية بتكملة التزاماتها، وفي الآن ذاته، وضع المسار كله في دائرة التقييم، أي دراسة حسابات الربح والخسارة من اتفاق أبراهام الذي أبرمته سنة 2020، وهل جنت ما كانت تنتظره من رهانها على هذا الخيار، أم أن محطة أكتوبر القادمة، ستكون مفصلية لوضع كل شيء في دائرة التقييم والمراجعة، وضمن هذا السيناريو، أي سيناريو، عدم تحقق الرهان السياسي والدبلوماسي من اتفاقات أبراهام، فإن مرجعية المراجعة لن تكون محكومة فقط بمخرجات القمة العربية الإسلامية في قطر، وإنما ستكون مبنية أساسا على تقييم سياسي واستراتيجي، يعيد بناء العلاقة بين المصالح الوطنية والمصالح القومية في بعدها العربي والإسلامي.
منذ خمس سنوات تقريبا، حاولت الرباط أن تسير على صراط دقيق، مبني على توازن في الموقف بين مصالحها الوطنية، والتزاماتها المبدئية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، وقد نجحت في أحيان، ولم تستطع أن تجد الوصفة المتوازنة في أحيان أخرى، وعلا صوتها في الإدانة أحيانا، وخفت أحيانا أخرى، وأبطأت قطاع التطبيع في مستويات عدة، وحولته في اتجاه يخدم أساسا مصالحها الأمنية والدفاعية، ولم تستجب بالمطلق لحسابات تل أبيب في المضي إلى تطبيع كامل على كل المستويات.
لكن اليوم، وبغض النظر عن الجدل الحاصل حول علاقات المغرب بتل أبيب، فقد وصل القطار إلى محطة حاسمة، صار فيها تقييم الموقف خيارا سياسيا واستراتيجيا، وذلك في ضوء ما تحقق للقضية الوطنية.