هل مستقبل الأمة بيد شبابها أم بيد النخبة الثقافية؟ – كوثر الرايس

مستقبل الأمة ليس حلمًا عابرًا، ولا هو ورقة تُوزع بين فئتين، بل هو معركة يومية تُخاض بأرواحٍ تشتعل حبًا وتضحية. السؤال الذي يلحّ: هل بيد الشباب وحدهم مفاتيح الغد؟ أم أن النخبة الثقافية هي البوصلة التي تَوجّه مسار الحضارة؟
الشباب، هم الزهور التي تنبثق من تربة الألم والحرمان، هم العاصفة التي لا تهدأ، ورغم أحيانًا الارتباك، فيهم يكمن الوهج الحقيقي للتغيير. لا يمكن لأمة أن تنهض دون شبابها الذين يجترحون، يبدعون، ويقاومون. فيهم الحلم الذي يتحدى المستحيل، والجرأة التي تكسر القيود. ثورات الربيع العربي شاهدة على أنهم سواعد الأمة التي تصنع التاريخ، لا يتوقفون عن الصراخ حتى تشرق الشمس.
لكنّ النخبة الثقافية، هم العقول التي لا تهادن الزمن، التي تحرس الذاكرة، وتُشعل شموع الوعي وسط عتمة التخلف. هم الذين يخطون الحروف التي تُثري الفكر وتوجه الرأي. فقدنا الكثير حين غابت النخبة، أو ابتعدت عن الجماهير، حينما أصبح الصوت الثقافي بعيدًا عن نبض الناس. طه حسين وجبران خليل جبران وغيرهم، لم يكونوا فقط مثقفين، بل قادة فكر فتحوا أبواب النهضة والإصلاح.
المشكلة ليست في التفريق، بل في الوحدة. لا مستقبل لمن يُقصي الشباب عن القرار، ولا نهضة لمن تخلو من ثقافة واعية تصنع الاتجاه. شباب بلا هُدى، كالريح الضائعة، ونخبة بلا تواصل مع الناس، كصوت في الصحراء.
نحتاج إلى تلاقي الأجيال، إلى تحالف الروح مع العقل، إلى جسر لا يُكسر بين القوة والحكمة. مستقبل الأمة سيُبنى حين يحترم كل طرف الآخر، ويتعلم منه، ويتبادل معه الأدوار لا المناصب.
اليوم، الوطن يئنّ من جراح التهميش والتشظي، والشباب يصرخون من أجل فرصة، والنخبة تصرخ من أجل صوت يسمع. فهل نصغي؟ هل نؤمن بأن المستقبل هو قصة مشتركة، لا تتجزأ؟
كما قالت مي زيادة في صمتها المعبر: “الشباب وقود، والثقافة النار التي تحترق بها الأماني.”
ولكي يكون المستقبل لنا، لا لنا فقط، بل لكل من يهوى الحرية والكرامة، لا بد أن نُعيد بناء جسر التواصل بين الشباب والنخبة، بين الروح والعقل، بين الحلم والواقع. فالأمة التي لا تستثمر في شبابها ولا تحمي نخبتها، هي أمة تقطع عنها شريان الحياة.
فلنرفع راية التحدي والعزم، ولننحت بأيدينا طريقًا جديدًا، لا مكان فيه للانعزال ولا للضعف. فلنكن صوتًا واحدًا، ونبضًا واحدًا، لا تقوى عليه رياح الفتن أو عواصف اليأس.
إن مستقبل أمتنا بيد كل من يصدق العهد، ويزرع الأمل، ويحارب من أجل وطن لا يموت. فهل نحن مستعدون أن تكون أولئك الذين يكتبون التاريخ، لا مجرد من يشاهدونه؟