د أوس رمّال يكتب: هل عاد قانون الغاب؟.. عن قرصنة سفينة مادلين وآلية تجويع الشعوب

في مشهد يندى له جبين الإنسانية، ويهتزّ له الضمير الحرّ، تعرّضت سفينة مادلين، التي كانت في طريقها لفكّ الحصار الجائر عن غزة في المياه الدّولية؛ لقرصنة بحرية علنية، أمام أنظار العالم، دون أن تتحرّك شعرة في ضمير دولة كبرى، أو ينتفض مسؤول في هيئة أممية. سفينة صغيرة، محمّلة بالأمل أكثر من الطعام، اخترقت الصمت العربي والدولي، لكنها سُحِبت بالقوّة، لتُضاف إلى قائمة طويلة من الجرائم ضدّ الحق والكرامة.
ما وقع مع سفينة مادلين ليس حادثًا عابرًا، بل كاشف مرير لانهيار المنظومة الأخلاقية الدولية. إنّها قرصنة موصوفة، بل سابقة قانونية شنيعة، تعلن – بلا مواربة – أنّ القانون الدولي لم يعد سوى ورقٍ مهترئ لا يُرفع إلا في وجه الضّعفاء. فأين مجلس الأمن؟ أين الأمم المتحدة؟ أين تلك البيانات الجاهزة التي تندّد وتنذر وتطالب “بالتحقيق”؟ أين الصليب الأحمر الدولي؟ بل أين الإنسانية؟!
ليس بعيدًا عن هذا المشهد، يقف شبح آخر باسم الدعم الإنساني، لكنه دعمٌ مسمومٌ مغلّف بعبارات زائفة، مصدره آلية مشبوهة أطلقها الرئيس الأميركي؛ تحت عنوان “المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني”، والتي لا تهدف إلى الإغاثة بقدر ما تسعى لتطبيع الاحتلال، ومقايضة الغذاء بالصّمت، والدواء بالتنازل عن الحقوق. إنها ليست سوى حلقة في سلسلة حصار ممنهج، تُراد بها تركيع الشعوب، لا إنقاذها. بل إنّها عبارة عن مصائد تجلب المدنيين العزّل كي يصطادها الجيش الصّهيوني دونما حاجة إلى الذّهاب إليها والبحث عليها.
هل أصبح العالم فعلاً ساحة مفتوحة لقانون الغاب؟ هل قُدّر للضعفاء أن يكونوا دومًا حطب الصفقات والموائد الدبلوماسية؟ لقد أصبحنا اليوم أمام لحظة مفصلية في التاريخ البشري، حيث تنكشِف الوجوه، وتتهاوى الأقنعة، وتتجلّى وحشية المصالح على أنقاض القيم.
إنّ ما جرى ويجري ليس مجرد انتهاك، بل إعلان واضح عن سقوط منظومة دولية تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما تغضّ الطرف عن تجويع شعب بأكمله، وتمنح الغطاء لاحتلال يعيث فسادًا في الأرض وحصارًا للبشر ودمارًا للدّيّار.
وهنا، لا بدّ من الصراخ، لا بدّ من الرفض، لا بدّ من المقاومة بكلّ أشكالها. إنّ التنديد ليس كافيًا، بل هو الحدّ الأدنى من الوفاء لضمير الإنسان، ومن التضامن مع الأحرار المرابطين في غزة وفي كلّ أرض تقاوم القهر والظلم.
إنّ سفينة مادلين قد تمّت قرصنتها، لكن الرسالة التي حملتها لم تُصادر؛ بل بلغت إلى العالم كلّه. أمّا الإنسانية، فلا تزال تستغيث في عرض هذا البحر العاصف، فهل من مجيب؟