نقاش افتراضي حول مدونة الأسرة.. تخوفات مشروعة وتوجهات تنتظر الأجرأة
كلف أمير المؤمنين الملك محمد السادس، رئيس الحكومة والوزراء، بالتواصل مع الرأي العام، لتوضيح المضامين الرئيسة لمراجعة مدونة الأسرة، وإحاطته علما بمستجدات هذه المراجعة، والتي ستسهر الحكومة، داخل آجال معقولة، على حُسن بلورتها وصياغتها في مبادرة تشريعية.
وتم الإعلان، أمس الثلاثاء، في لقاء تواصلي بالرباط حول مستجدات مدونة الأسرة عن اعتماد 16 مقترحا ورفض ثلاث مقترحات تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها.
وأثارت تعديلات مدونة الأسرة التي أعلنت عنها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أمس الثلاثاء، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تباينت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض.
ما بين الترحيب والانتقاد
ورأى عدد من المؤيدين أن هذه التعديلات ضرورية لتعزيز حقوق المرأة وتحقيق المساواة في المجتمع، حيث تم على سبيل المثال، رفع سن الزواج إلى 18 عاما، مع استثناءات مشروطة في سن 17 سنة، مما لاقى ترحيبا من قبل بعض الناشطين الذين يعتبرون ذلك خطوة نحو حماية حقوق الفتيات.
في المقابل، رأى معارضون أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى المساس بالثوابت الثقافية والدينية للمجتمع المغربي. وقد عبر بعضهم عن مخاوفهم من أن تؤدي التعديلات إلى تفكيك الأسرة التقليدية، حيث تم تداول هاشتاغات تدعو إلى الحفاظ على القيم الأسرية.
وتعكس ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي انقساما في الآراء حول تعديلات مدونة الأسرة، مما يدل على أهمية هذا الموضوع في النقاشات المجتمعية الحالية، وذلك قبل ظهور الصيغة النهائية الجديدة لمشروع قانون مدونة الأسرة التي من المنتظر أن ترفع من حدة هذا النقاش ومستوياته.
تتضمن ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا قلقا من بعض التعديلات المقترحة، مثل تلك المتعلقة بتعدد الزوجات، حيث تم اقتراح إلزام الزوج بالحصول على موافقة الزوجة الأولى قبل الزواج مرة أخرى، مما أثار جدلاً حول مدى فعالية هذا الشرط في حماية حقوق المرأة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تداول مخاوف بشأن مسألة الحضانة، حيث تم اقتراح أن تكون الحضانة حقاً مشتركاً بين الزوجين، حتى بعد الطلاق، مما يثير تساؤلات حول كيفية تطبيق ذلك في الواقع العملي. وكان الملك محمد السادس قد دعا الحكومة إلى التواصل مع المواطنين لشرح مضامين التعديلات، والتي أضفت شفافية أكبر على هذا النقاش.
نقاش افتراضي ينعكس على واقع الأسرة
ونوه الدكتور رشيد العدوني، نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح، بالاهتمام بالأسرة وبمدونة الأسرة على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن ذلك دليل على القيمة المركزية للأسرة عند المغاربة.
ونبه العدوني في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع “فايسبوك” إلى أن هذا الاهتمام لا ينبغي أن يظل حبيس العالم الافتراضي بل المأمول أن ينعكس على واقع أسرنا وعائلاتنا، مشيرا إلى أن النقاش حول الأسرة لا يخص المغاربة فقط بل هو نقاش عالمي بين نموذجين: النموذج التراحمي والنموذج التعاقدي، بفعل العولمة أصبح التدافع عالميا بين النموذجين، في أمريكا واوربا وروسيا يوجد تدافع حاد بينهما.
ولفت إلى أن النقاش حول الأسرة لن يبدأ اليوم ولن ينتهي غدا، بل هو تدافع مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أن معالجة اشكالات الأسرة تحتاج مقاربة شاملة متعددة المداخل والمدخل القانوني جزء بسيط من المقاربة.
ويرى العدوني أن المدونة -مبدئيا- لا يمكنها تدمير الأسرة ولا إنقاذها، بل هناك مداخل أكثر أهمية وخاصة المداخل التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك ينبغي النظر للمدونة دون تهويل أو تهوين، وأن ما تم الإعلان عنه من توجهات لمراجعة المدونة يظل مقبولا في مجملها خاصة رفض تعديل ما يتعارض مع نصوص قطعية، وعدم الخضوع لابتزاز المنظمات الأجنبية وبعض الأصوات المحلية.
وسجل العدوني ملاحظته حول ثلاث مسائل يمكن معالجتها بالصياغة القانونية المحكمة تتعلق بالعمل المنزلي والتطليق للشقاق وتأجيل اقتسام السكن الرئيسي طالما بقيت ضمن المرجعية الإسلامية وضمن ثوابت الأمة وأخذت برأي العلماء. كما أنها تظل غير مكتملة ولا يمكن مناقشتها بتفصيل إلا حين وجود صياغة قانونية للتعديلات الجديدة.
وأكد العدوني أن المغاربة لديهم المناعة الكافية ونظرتهم للزواج والأسرة نظرة تقوم على أخلاق الإسلام من مودة ورحمة ومباشرة بالمعروف وبر بالوالدين ورعاية للأبناء ومراعاة لمصلحتهم الفضلى ولن يحتاجوا لمدونة ولا لقانون، باعتبار أن القرآن الكريم والسنة النبوية فصلا في أحكام الأسرة لكن قبل ذلك وبعدها نزلت نصوص كثيرة تتحدث عن قيم وأخلاق أسرية هي التي تبني الأسرة والمجتمع والأمة.
واستشهد نائب رئيس الحركة بقول منسوب لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: “أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. مشددا على أن القرآن يرمز للمقاربة التربوية والثقافية والاجتماعية في حين يرمز السلطان للقانون.
تخوفات مشروعة وتوجهات عامة في طور الأجرأة
وانتقد الدكتور عادل رفوش، المشرف العام لمؤسسة يوسف بن تاشفين، في الجانب الشكلي طريقة كلام وزير العدل عبد اللطيف وهبي خلال عرض جديد التعديلات؛ ووصفها بـ”استعراض العضلات”، لتخويف الأزواج من الزوجات، وما سماها بتكريس العزوف عن العرّاسياتْ؛ وتفريغ جوّ الأسرة من التأسيس على الحق والصدق والمودة والرحمة والإحسان والمروءات.
ورأى رفوش أنه من حيث المضمون ما زال الغموض يلف الكثير من العناوين شرعيا وقانونيا، وأشار إلى أنه يرجئ الكلام حول بعض نِقاطِه للاستبصار أكثر بتفاصيله حول ما هو مقبول وما هو محتمل وما هو مرفوض، لافتا إلى أن هذه المعطيات الأولية سترجع إلى السؤال الجوهري ما هو الزواج؟ ولماذا شرع؟ وما هي الأسرة؟ قبل الحديث عن إشكالات مدونة الأسرة.
من جهته، أكد الدكتور خالد الصمدي، الخبير التربوي والأستاذ الجامعي، أن التعديلات المعلن عنها رسميا من طرف الوزراء المعنيين لم تمس أي قضية من القضايا المؤطرة بنصوص قطعية من القرآن الكريم ونصوص السنة النبوية القطعية الورود والدلالة.
واعتبر الصمدي في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع “فايسبوك”، أن المدونة لا تبني الأسرة لوحدها، وإنما هي تدخل تشريعي لعلاج اختلالاتها بحفظ حقوق وواجبات الأطراف ما أمكن، أما الأسرة فتبنى على سنة الله ورسوله بالوعي والتربية والقيم الفضلى والتوكل على الله والخوف منه، والصبر والمحبة والتضحية.
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أنه إذا حصلت هذه المقومات استقرت الأسرة واستمرت وإذا ضعفت وانهارت، انكسر عود الأسرة ولو كان نص المدونة منزلا تنزيلا وليس اجتهاد بشريا مرفوضا أو مقبولا.
وأوضح الوزير السابق أن كل ما تم الإعلان عنه رسميا من تعديلات تدخل في دائرة الاجتهاد والنظر والتي أفتى بها مجلس العلماء بعد اجتهاد وتدقيق نظر، وأقرها أمير المؤمنين، هي توجهات عامة لا زالت في معظمها مرتبطة بإجراءات قانونية تفصيلية ينبغي التعبئة القانونية والاجتماعية والتربوية الجادة لمتابعة مناقشتها والاحتياط فيها وتدقيقها حتى لا تخرج عن هذا الإطار وعن هذه التوجيهات.
وأفاد الصمدي أن ردود الأفعال التي عقبت الإعلان عن هذه التعديلات فهي آراء شخصية معبر عنها في إطار حرية التعبير ما لم تمس المؤسسات والقطعيات بالتجريح، وتخوفات مشروعة ينبغي الوقوف عندها وعدم الاستهانة بها وأخذها بعين الاعتبار من طرف المشرع في حفظ كل ما يحقق السكينة والمودة والمعاشرة بالمعروف التي تشكل قيما سامية لبناء الأسرة.
وأضاف الخبير التربوي إلى أن “القصد في البدء والختام من هذا التدافع المشروع هو حماية الأسرة المغربية بحفظ حقوق مختلف مكوناتها ضمانا لاستقرارها واستمرارها، والوقوف بكل حزم ضد كل من يهددها ويسعى في خرابها، وكان قد مهد لذلك ولا يزال بشن حملات ممنهحة على القطعيات وعلى المؤسسات في نفس الآن، لأنه يعلم أنهما معا صمام الأمان”.