“نساء من أجل السلام”… تبييض لجرائم الاحتلال الصهيوني

دة. حنان الإدريسي

تستعد مدينة الصويرة المغربية لاحتضان ما يسمى بـ”المنتدى الدولي للنساء من أجل السلام” من 19 إلى 21 شتنبر الجاري، من تنظيم جمعية تسمى ” محاربات من أجل السلام”، وهو لقاء يرفع شعارات براقة عن التعايش والسلم، لكنه يخفي خلفه مشروعاً تطبيعياً يهدف إلى تبييض وجه الاحتلال الصهيوني والتغطية على جرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.

المنتدى المزمع تنظيمه في الصويرة ليس حدثًا معزولًا، بل يندرج ضمن مسار متكامل لتسويق التطبيع الثقافي تحت قناع “التعايش”. فقد احتضنت العاصمة الفرنسية باريس، يوم 16 أبريل 2025، ندوة دولية حول “المدن وتحدي السلام”، بمشاركة رئيس مجلس جماعة الصويرة طارق العثماني ومنظمات مدنية “إسرائيلية”، من بينها جمعية “محاربات من أجل السلام” المرشحة لجائزة نوبل للسلام لسنة 2025، بينما يُباد أكثر من مليوني إنسان في غزة تحت القصف والتجويع، وتُستهدف النساء والأطفال والمسنين بشكل ممنهج حتى شكّلوا ما يقارب 70% من ضحايا العدوان، إضافة إلى نحو 60 ألف امرأة حامل تعيش ظروفًا مأساوية تحت وطأة الجوع والخوف وانهيار النظام الصحي، فضلًا عن النزوح الجماعي والتهجير القسري الذي طال مئات الآلاف من الأسر الفلسطينية.

المنظمة القائمة على هذا المنتدى ليست بريئة ولا محايدة، فمنذ اندلاع حرب الإبادة على غزة، وهي تروّج خطاباً ظاهره إنساني ولكنه يبطن خدمة الوضع الاستعماري القائم، ويقدّم الصراع كأنه نزاع متكافئ بين طرفين فيساوي بين الضحية والجلاد، بينما في الحقيقة أن الاحتلال هو أصل كل المآسي ويمارس أبشع الجرائم بحق شعب أعزل يقاوم من أجل حريته، متجاهلة حقه في الحياة، حقه في تقرير المصير، حقه في العودة…

إن الدعوات إلى “السلام” التي يرفعها المنتدى هي دعوات زائفة تطمس الطابع الاستعماري للصهيونية، وتختزل المأساة الفلسطينية في “سياسات حكومة” بدل فضح مشروع الإبادة الذي يستهدف الأرض والإنسان؛ وما يضاعف من خطورة هذه الفعالية هو توقيتها، في لحظة يتواصل فيها القتل والتجويع والتدمير الممنهج للنساء والأطفال في غزة وباقي المدن الفلسطينية.

هذا الحدث يعتبر حلقة في مسلسل التطبيع المتنامي الذي تورط فيه المغرب رسمياً على مستويات متعددة، ليضيف لبنة أخرى في جدار التطبيع الناعم، عبر استغلال قضايا النساء لتزيين صورة الاحتلال وسياساته النازية.

ولعل ما يزيد من خطورة استضافة هذا المنتدى أنه يُعقد في الصويرة، المدينة التي تحمل تاريخاً عريقاً في مواجهة الاستعمار والدفاع عن هوية المغرب وسيادته ومكانته الحضارية، فلا يليق بها أن تصبح منبرًا لتلميع وجه الاحتلال وترويج التطبيع.

ولطالما كان المغاربة – وما زالوا كذلك- في طليعة الشعوب الداعمة والمناصرة للقضية الفلسطينية، ويعتبرونها قضية وطنية، ويواصلون اليوم التعبير في كل الساحات والمدن عن إدانتهم لجرائم الإبادة في حق الشعب الفلسطيني وعن رفضهم المطلق لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، سواء في المسيرات أو الوقفات أو مختلف الفعاليات الشعبية التي تعرفها مدن المملكة، ويجددون اليوم رفضهم أن تتحول مدنهم إلى منصات لتسويق التطبيع وتقديم الاحتلال في ثوب السلام. فالصويرة، بكل رمزيتها التاريخية والحضارية، لا يمكن أن تكون واجهة لسياسات تتناقض مع الوجدان الجمعي للمغاربة ومع إرثهم العريق في نصرة قضايا التحرر.

لقد تعالت أصوات عديدة ترفض تنظيم هذا المنتدى التطبيعي، من المغرب وفرنسا وألمانيا وكوت ديفوار وأمريكا اللاتينية، وأطلقت نداءات من جهات متعددة ضد استغلال النساء في تبييض جرائم العدو الصهيوني وضد استغلال خطاب السلام لخدمة مشروع الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري، مما يستدعي من المسؤولين في بلادنا التقاط الرسالة والتفاعل الإيجابي بإلغاء تنظيم هذا المنتدى الاستفزازي لمشاعر ومواقف المغاربة والذي لا يشرف المغرب ولا يليق بمكانته التاريخية، كما يتطلب الموضوع من جميع الهيئات والمنظمات والفعاليات، ومن العلماء والمثقفين والحقوقيين والفاعلين المدنيين والإعلاميين التعبير عن مواقفهم من هذه الخطوة التطبيعية، واتخاذ الموقف المغربي الأصيل: لا للتطبيع، لا لتبييض  جرائم الاحتلال، نعم لفلسطين حرة مستقلة. فالسلام الحق لا يكون إلا بالحرية والعدالة، ولا عدالة بدون وقف حرب الإبادة على أهل غزة الشرفاء ورفع الحصار وتحرير الضفة والقدس وكل فلسطين.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى