ندوة علمية تحذر من اعتماد تعديلات في المدونة قد تؤدي لتفكيك الأسرة

حذر متدخلون في ندوة علمية نظمتها حركة التوحيد والإصلاح السبت الماضي بالمقر المركزي للحركة بالرباط من مقترحات في تعديلات مدونة الأسرة قد تؤدي إلى تفكيك الأسرة المغربية وتهديد نسيج المجتمع المغربي

تهديد المرجعية الإسلامية في المدونة تهديد للأسرة

انتقد الدكتور الحسين الموس نائب رئيس مركز المقاصد للدراسات والبحوث، محاولات بعض المنظمات في مقترحاتها التعديل الجذري لمدونة الأسرة بدل معالجة الاختلالات التي تشوبها، ومحاولة حصرها فئة على حساب الأسرة، مؤكدا أن مدونة الأسرة موجهة للمغاربة الذين غالبيتهم مسلمون وبالتالي فهي مدونة للمسلمين، وليست موجهة للأفراد بل موجهة للأسرة كاملة لذلك يجب أن تصطبغ بصبغتها.

وحذر الحسين الموس في مداخلة له، من أن بعض المنظمات التي تحمل أجندة خارجية تريد أن تجعل هذه المدونة لا لون لها ولا رائحة وتابعة للمرجعية الدولية لاختلالاتها على وتهديدها للأسرة على حساب المرجعية الإسلامية.

ونوه عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح خلال الندوة العلمية في موضوع ““إصلاح مدونة الأسرة والمخاطر المحتملة”، بالمجلس العلمي الأعلى الذي كان موفقا في تأكيده على سمو المرجعية الإسلامية في أي تعديل لهذه المدونة.

إصلاحات يجب أن تقوم على دراسات علمية

وأكد الموس أن تقييم أي إصلاح يجب أن يقوم على دراسات علمية وليس على مظان أو أماني أو ترهات، مستحضر ا في هذا الإطار مقترحي إلغاء التعدد وزواج القاصر في المدونة الذي لا يشكل نسبة كبيرة في المجتمع حسب الأرقام، كما أن بعض الحالات التي تدور حولها حتى لو كانت صحيحة ولها ما يثبتها فإن التطبيق في مجال المدونة لا يكون على الحالات الاستثنائية بل الحالات العادية.

ونبه الموس إلى ضرورة الانتباه والحذر من خطورة تأثير القانون على قيم وأخلاق المجتمع، خصوصا وأن أي تعديل للقانون يسهم في تغيير العقليات والثقافة والتصورات والقيم مما ينعكس بالسلب أو الإيجاب على المرجعية الإسلامية، داعيا جمعيات المجتمع المدني إلى مزيد من اليقظة إزاء هذا الثغر الخطير الذي يصلح المجتمع أو يؤدي إلى انهياره.

تعديلات ينبغي الحذر من مخاطرها

واستحضر الموس جملة من التعديلات التي ينبغي الحذر من مخاطرها من بينها تثمين العمل المنزلي التي تجعل على الرجل والمرأة علاقة شركة بين مدير وأجير على أساس المقايضة والمماحكة، مشيرا إلى أن إنصاف المرأة وتثمين عملها هي مهمة الدولة بالأساس على أن تلقي ذلك على الزوج.

وحذر المتخصص في الفقه وأصوله من خطورة النيابة الشرعية المشتركة في حالة الخلاف التي قد تؤدي إلى الالتجاء إلى المحكمة ومحاولة إدخالها مرة أخرى في أي خلاف بين الزوجين، أما عن الحضانة فدعا إلى النظر إلى المصلحة الفضلى لهذا الإبن التي يجب أن يختص فيها القضاء ولدى الخبير لتقدير هذه المصلحة للطفل.

وعن إخراج بيت الزوجية من مشمولات التركة، سجل الموس أن المنظمات العلمانية كان هدفهم من خلال هذا المقترح هو المساس بالإرث، رغم أننا أعطينا مقترحات شرعية كالعمرة والهبة في الوصية، لكن المقترح الذي جاء به المجلس العلمي بدل العمرة الإجبارية إيقاف بيت الزوجة عن القسمة، منتقدا حرمان بنات امرأة أخرى أو الأم الفقيرة كأمثلة من هذه التركة، مؤكدا أن إيقاف بيت الزوجة ينبغي النظر إليه نظرة شمولية.

دعا متدخلون في ندوة علمية نظمها المكتب الإقليمي لحركة التوحيد والإصلاح بالرباط زوال اليوم السبت، إلى الوعي بالمخاطر المحتملة لعدد من التعديل

وعن موضوع التعدد، يرى الموس أن الموضوع لا يشكل مشكلا لكن هناك ضغوط في باب المساواة على إلغائه، لأنه قد تكون هناك أسباب موضوعية تدفع الرجل للزواج بزوجة أخرى، وعن اشتراط الخطيبة عدم الزواج يذهب المتحدث إى أن هذا الشرط هو دفع للعزوف عن الزواج والرفع من نسبته.

ودعا عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى غرس القيم والأخلاق لتحصين الأسرة المسلمة من أجل حماية الأسرة ومواجهة كل ما يتهددها، والوعي أن الشرع هو الأساس ولا بد من دور الأسرة في غرس هذه القيم ودور المدرسة التي أصبحت تخترقها مقاربات دخيلة، وكذلك الإعلام الذي يقوم بعضه بحرب شرسة على الأسرة، وطبعا دور المسجد والخطيب والواعظ، ودور مؤسسات مؤسسات المجتمع المدني في حماية أبنائنا وبناتنا من المخاطر القانونية، بالإضافة إلى دور الدولة أيضا في جماية الأسرة.

تعديلات معاكسة لمعطيات إحصاء السكان

من جانبه، انتقد  مصطفى الخلفي الباحث الأكاديمي والوزير السابق عدم استحضار معطيات الإحصاء الوطني للسكان والسكنى الأخير في مقترحات تعديلات مدونة الأسرة التي تم اعتمادها من طرف الحكومة، حيث تم الإعلان عن نتائج هذا الإحصاء مباشرة بعد الكشف عن مقترحات التعديل المعتمدة.

وأكد الخلفي أن الإحصاء الأخير أبرز تحديات كبيرة في مواجهة الأسرة المغربية حيث يمثل 11 بالمائة من مجموع الأسر أسرة مكونة من فرد واحد كما أن مؤشر الخصوبة في انخفاض ليقف عند 1.97طفل لكل امرأة عوض 2.5 سنة 2004، وهي أقل من معدل تجدد الأجيال الذي هو 2.1، محذرا من أن هذه الوتيرة ستجعل المغرب في حدود 1.77 سنة 2050، محذرا من أن هذه الأرقام تكرس تهديد وجودي للأسرة.

واعتبر السياسي والأكاديمي أن المجتمع عليه أن يكون عنصرا أساسيا لإحداث انتفاضة في ظل المؤشرات التي تنذر بأزمة سكانية ديمغرافية، خصوصا وأن عدد من القضايا التي ناقشتها المقترحات المعتمدة لتعديل مدونة الأسرة تسير عكس اتجاه نتائج الإحصاء الأخير، وأن بعض التوجهات التي تضمنت مقترحات المجلس العلمي الأعلى لا تخدم الأسرة بل تعمل على تفكيكها.

واستحضر في هذا الباب مسطرة الطلاق الاتفاقي الذي يتم دون تفعيل مسطرة الصلح وهو من الأمور جد خطيرة في هذا التعديل، وتثمين العمل المنزلي على مستوى الواقع كيف سيتم هذا التثمين وكيف ستستقر الأسرة في ظل ذلك معتبر أن مثل هذه المقتضيات وغيرها من قبيل التضييق على التعدد الذي هو محدود من حيث المؤشرات محاولة لزرع الفتنة في الزواج، وحديث وزير العدل عن إيقاف السكن للزوجة هو تعطيل لشرع الله.

معدل تفكك أسري يتطلب إعلان حالة الاستنفار

وحذر مصطفى الخلفي في سياق استعراضه مؤشرات في تقرير النيابة العامة من أن معدل التفكك الأسري ليس فقط على مستوى العزوف عن الزواج ارتفاع جالات الطلاق (في مقابل كل حالتي زواج هناك حالة طلاق)، مشيرا إلى أنه هناك مشكل متنام يتعلق بتماسك الأسرة واستمراريتها يتطلب إعلان حالة الاستنفار.

ولفت الوزير السابق إلى أن هناك مقاربتان للحلول المطروحة فيما يخص تعديل مدونة الأسرة في المجتمع، المقاربة الأولى تعتبر أن قضية الأسرة ليست مشكلا بالنسبة لها وأن الأسرة التقليدية حسب تعبيرها نموذج متجاوز وتدعو إلى مقاربة مهيمنة على المستوى الغربي، ويدفعون باتجاه طي صفحة الأسرة التقليدية وفتح كتاب جديد لمفهوم الأسرة العصرية، وطي القداسة في العلاقة الزوجية، في مقابل ذلك مقاربة وهي الغالبة مبنية على الرحمة والمودة والميثاق الغليظ وهي علاقة مثينة تقوم على استمرار الأسرة وتقويتها.

وأكد الخلفي أن الأسرة هي القضية الأولى التي طرحت منذ الاستقلال من خلال مدونة الأحول الشخصية سنة 1957  إلى غاية التسعينيات بضغط دولي للمصادقة على  اتفاقية سيداو وتحفظه على المواد التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، لتبدأ مسارا جديدا أبرزها خطة إدماج المرأة في التنمية سنة 1999 المنبثقة عن توصيات مؤتمر بكين بشأن دعوة الدول لإعداد خطط في شأن الأسرة وتضمت عدد من الإجراءات التي على دول القيام بها ولاقت معارضة واسعة من المجتمع وجاء التدخل الملكي أن بقيت المدونة في إطارها الشرعي، وتأكيد سمو المرجعية الإسلامية على الاتفاقيات الدولية وهو ما تم تأكيده مجددا خلال المراجعة الأخيرة.

واستعرض المتحدث عددا من توصيات مؤتمر بكين من بينها فيما يخص مدونة الأسرة إلغاء التعدد وزواج القاصرات، والأموال المكتسبة، واقتسام الميراث، وفي القانون الجنائي إلغاء العلاقات الرضائية، والشذوذ الجنسي، وإلغاء تجريم الإجهاض، والهدف من كل ذلك هو ضرب نموذج الأسرة القائم على التراحم والسكينة.

وذهب الخلفي إلى أن الإشكالات التي طرها الإحصاء لا تعالج عبر مقترحات مدونة الأسرة التي تسير عكس الاتجاه، مشيرا إلى أن الأسرة المغربية تواجه خمس آفات حقيقية ينبغي الاستنفار لها، أولها المخدرات حيث أشارت معطيات أنها تضرب 12 بالمائة من أسرنا، وآفة القمار حيث يتواجد 3 مليون مغربي يتعاطون القمار الذي يدمر الأسر، وآفة العلاقات غير الشرعية خارج مؤسسة الزواج (الزنا)، وآفة العنف خاصة ضد المرأة وهدر الكرامة والمآسي الناتجة عنه وهي آفة خطيرة، وآفة القروض التي بسببها تعيش عدد من الأسر وضعية صعبة، وهي مشكلات إلى جانب مشكل البطالة إذا عالجناها عالجنا مشكل الأسرة.

يذكر أن الندوة العلمية نظمها المكتب الإقليمي لحركة التوحيد والإصلاح  بالمقر المركزي للحركة بالرباط بعنوان “إصلاح مدونة الأسرة والمخاطر المحتملة، في إطار برنامجها الدعوي والعلمي خلال هذا الشهر الفضيل.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى