موت “بوعزيزي “الولايات المتحدة”.. إدانة لسقوطها الأخلاقي وإيذان بمستقبل قاتم ل”إسرائيل” – الحبيب الشوباني
في حادثة هي الثانية من نوعها في غضون شهرين في الولايات المتحدة الأمريكية (بعد حادثة ولاية أطلانطا في شهر ديسمبر الماضي، حيث أضرم شخص النار في نفسه خارج قنصلية الكيان الصهيوني)، لفظ الجندي الأمريكي “آرون بوشنل” أنفاسه حرقا أمام سفارة الكيان الصهيوني في واشنطن، احتجاجا على المسؤولية الكاملة لساسة بلاده عن جرائم إبادة الشعب الفلسطيني المظلوم، واصفا معاناته قبل موته بـ”الضئيلة” مقارنة بمحرقة النازيين الجدد في حق أهل غزة؛ وقد لفظ أنفاسه الأخيرة يوم الإثنين 26 فبراير مودعا هذا العالم الذي حوّله الإفلاس الأخلاقي لقادة وزعماء ” العالم الحر ” إلى غابة متوحشة من ” مخازي العبوديات الإقطاعية ” تحت تأثير مخدر غباء سلطان القوة والإفساد. فعل الجندي الأمريكي في حق نفسه هذا الفعل المحزن القاسي، ليبلغ به رسالته الصاعقة لبايدن ومن معه من صناع القرار في البيت الأبيض والكونغرس، وليعلن براءته منهم ومما يصنعون، صارخا :” لن أكون متواطئاً في الإبادة الجماعية “..!
إن هذا الموت المأساوي ل ” بوعزيزي الولايات المتحدة الأمريكية ” إدانة تاريخية لهذا السقوط الأخلاقي الفظيع لدعاة سرديات الزيف الحقوقي والإنساني في الغرب، وإيذان رسمي بميلاد ربيع إنساني عالمي سيشكل امتدادا لطوفان الأقصى ومن نسله.. وسيكون له ما بعده من الاستحقاقات العنيفة لا محالة..!
في هذا السياق، من الواجب الصدع والتذكير بجملة أمور وحقائق لأولي الألباب، على سبيل البلاغ، وهي كما يلي:
1- إن غالبية اليهود الصهاينة يعتقدون، بناء على خرافات وأساطير دينية توراتية محرفة، أنهم عادوا لأرض ميعادهم بعد طول شتات.. وأنهم بذلك إنما استرجعوا “حقا عقاريا مدونا في التوراة” ضاع منهم منذ ألفي عام !!.. وهم بزعمهم هذا إنما يسوقون أوهاما، ويتجاهلون مسلسلا من الحقائق التاريخية التي جعلت الغرب يتخلص منهم ويبعدهم عن قارته ومجتمعاته، بعد قرون من كراهيتهم واضطهادهم، لاعتبارات دينية وأخرى متعلقة بإفسادهم السياسي والمالي المزمن، قبل أن يجرب فيهم زعيم عقيدة التفوق العنصري الآري المجنون (هتلر) جرائم وفظاعات الإبادة والاستئصال النازي.
2- إنه بعد 75 سنة من الاحتلال والعلو المؤطر بعقيدة التفوق العنصري اليهودي (شعب الله المختار)، تم تجريب كل جرائم الحرب والعدوان في حق الشعب الفلسطيني الأصيل، بما في ذلك جرائم الإبادة التي كان اليهود ضحية لها ذات علو هتليري مفلس، وهو طغيان ضج من وحشيته من فيه بقية إنسانية في عالم البشر، حتى بلغ الاشمئزاز والانسحاق النفسي بمواطن أمريكي، توثيق إحراق نفسه أمام سفارة النازيين الجدد في عاصمة بلاده، لإدانة المسؤولية الأمريكية المشتركة مع اليهود الصهاينة عن محرقة إبادة المدنيين العزل في غزة.
3- إن ما يجب أن يعلمه صناع هذه المحرقة النازية الجديدة، وكذلك المتواطؤون سرا أو علانية مع مرتكبي فظاعاتها، أنها ستظل لعنة تطاردهم إلى الأبد، ولن تنفك عنهم حتى تُرديهم في مصارعهم، كما فعلت بأمثال من سبقهم من الطغاة والجبابرة، جرائم محارقُهم ومجازرُهم ومظالمهم في حق المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
4- إن مما يجب أن يعلمه اليهود الصهاينة ومن يسير في ركابهم من الذين يُمٍدونهم بالغَيِّ، ويزينون لهم البَغْي، أن علوهم وإفسادهم في الأرض لا يجري خارج أقدار الله وفوق إرادته سبحانه، وأنه داخل في سننه القاهرة باستدراج الظالمين لمصارعهم، واستفزاز همم أصحاب الحق الذين ترهلت إرادتهم وانتكست في طلب حياة العزة والكرامة بالجهاد منذ قرون، حتى طمع في أقدس بقاعهم وعاث فسادا في أرضهم وأعراضهم، من ضُربت عليهم الذلة والمسكنة، ومن باؤوا بغضب من الله، وكانوا وما يزالون أحرص الناس على “حياة”.
5- إن الأحداث الجارية أكدت للمسلمين في العالم أن مكة – على مكانتها الدينية وقداستها عندهم – لم تكن في تاريخها الطويل موضوع احتلال من الغزاة حتى تكون سببا لاستنهاض مجتمعات المسلمين من فتورهم وتخاذلهم عن حماية مقدساتهم وأوطانهم؛ لكن فلسطين – بسبب سر ومعجزة الإسراء والمسجد الأقصى المبارك – حازت شرف هذا الاستنهاض عبر التاريخ، لأن الأمة لا تكون عزيزة مهابة الجانب إلا بوجود الأقصى تحت سيادتها، وأنها تكون ذليلة مهيضة الجناح متى ما هانت وخانت فخابت، فسيطر عليه الغزاة والبغاة.
6- إن المسجد الأقصى المبارك ظل موضوع صراع طويل بين المسلمين والصليبيين، وأن نصارى أوروبا عندما قرروا التخلص من اليهود بوعد بلفور (1917)، فعلوا ذلك لتحقيق هدفين ماكرين وخبيثين: هدف إبعاد ضنك العيش مع اليهود عن أوطانهم، وهدف النكاية بالخلافة الإسلامية ثأرا لآخر هزيمة ألحقها بهم جيش الناصر صلاح الدين في معركة حطين (583 هـ/1187م)؛ ولذلك فهم شركاء تاريخا وحاضرا في زرع ورعاية “قاعدتهم الاستعمارية المتقدمة” في فلسطين، ومسؤولون عن استدامة إجرامها أخلاقيا وقانونيا.
7- إن الإفساد الذي ارتكبه/ويرتكبه اليهود الصهاينة في فلسطين، وهي بمنزلة القلب من جسد أمة الإسلام، وبوصلة معاركها الحضارية عبر التاريخ، وطبيعة الجرائم التي يشاهدها المسلمون اليوم بالبث المباشر، ستظل محفورة في ضمير كل مسلم ومسلمة، ومنقوشة موثقة يتوارث الأجيال كابرا عن كابر حكايات وتفاصيل بشاعتها؛
8- إن عقلاء اليهود الصهاينة يعلمون علم اليقين أنهم بعلوهم وإفسادهم في بلاد المسلمين – الذين تعايشوا معهم قرونا طويلة بإحسان من غير اضطهاد ولا محارق – جعلوا فلسطين المحتلة، أولا، وحاضنتها في البلاد العربية والإسلامية، ثانيا، أخطر مكان لإقامة اليهود في العالم. لأنهم صنعوا بإفسادهم ونازيتهم أضخم احتياطي استراتيجي للكراهية ضدهم تغلي به نفوس الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكل الأحرار، مستحيل أن ينفذ أو يتبخر أو يمحى؛ كما انتجوا بوحشيتهم مشاعر غضب دفين وغبن مكين، مادتهما الصلبة تطلع جارف لدى هؤلاء جميعا لإعمال قانون المعاملة بالمثل، للانتقام ومحو العار بالثأر منهم، وإعادة تصديرهم إلى من صدَّرهم إليها، طال الزمان أم قصر، ومهما كانت التضحيات.
9- إن هذا التاريخ البشع المتطاول من مشاهد اغتصاب فلسطين، وإبادة المدنيين بلا رادع من قانون أو أخلاق، وتدمير مؤسسات ومقومات الحياة بلا شفقة أو رحمة، يحكم موضوعيا باستحالة عيش اليهود الصهاينة في قلب مجتمعات المسلمين، سواء باسم قوة الردع والبطش الزائل، أو بطلاسم سحر التطبيع المائل، أو بدعاوى التعايش والسلم السائل؛ لأن الانتصاف للدم والعرض والكرامة في الأرض المباركة، وفي كل أرض، قانون سرمدي لا يتخلف، ولا يمكن أن ينكره دين أو عقل أو قانون أو فطرة سوية.
10- إن حرب طوفان الأقصى في غزة هي بداية حرب تحرير حقيقية، وقد تحولت فعليا إلى حرب عالمية لاأخلاقية أولى بين طرفين: شعب فلسطين المظلوم ومقاومته الأسطورية ومن معهم من أنصار الحق؛ واليهود الصهاينة المعتدون ومن معهم من سدنة الباطل؛ وأن هذه الحرب ستنتهي حتما بتحرير غزة لفلسطين والعرب والمسلمين والعالم، وليس العكس كما قد يُتوهم؛ ولقد حررت هذه الحرب أول ما حررت وعي كل حر في العالم، إذ حطمت أصناما فكرية وسياسية وثقافية ونفسية ودينية كثيرة طالما عُبدَت بغير حق، وأنها في طريق ذات الشوكة مؤذنة بتحولات عالمية جذرية يستحيل أن تظل فيها القوة قادرة على تأمين وجود نظام عنصري مقيت، أو حراسة أمن كيان نازي بات عنوانا كونيا للتوحش والحقارة والإفساد والمفاصلة والمنبوذية لدى كل أحرار العالم.
11- إن جوهر الحرب العالمية الثالثة بين الطرفين يتعلق بوظيفتها كما صُنعت في وعي كل طرف: فوظيفة الحرب في وعي حلف اليهود المحتلين وكلاء الغرب الإمبريالي، يراد بها كسر إرادة المقاومة، وتحطيم أحلام الاستقلال لدى الفلسطينيين، ودفن مظلوميتهم للأبد، وتركيع ما ومن حولها من بلاد العرب والمسلمين، واستدامة الاستكبار والهيمنة في العالم؛ أما وظيفتها في وعي حلف المقاومة، فيراد بها كسر هيبة القوة المادية للاحتلال بهيبة القوة المعنوية للمقاومة، وازدراء أحرار العالم للطغيان بتفكيك آخر استعمار استيطاني عنصري ناشب كورم سرطاني في فلسطين.. مهما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.! وسيظل الفيصل في كل ذلك إرادة الله التي لا غالب لها، ولا منازع لسلطانها في نصرة الحق وإزهاق الباطل..!
بكلمة، إن “إسرائيل” بعنصريتها ووحشيتها وحقارتها حكمت على نفسها باستحالة دوام كيانها المصطنع في نقطة القلب من مشاعر أمة الملياري مسلم ومن معهم من ملايير أحرار العالم، كما قضت بأن ( عصر الهيمنة الغربية انتهى بالفعل، وإذا استمرت التوترات الجيوسياسية العالمية الراهنة في التقدم نحو “الغرب مقابل الآخرين”، فإن مستقبل أوروبا قد يصبح قاتما) – حسب آخر تصريح لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبى Josep Borrell Fontelles – لأن سنة الله في إهلاك الظالمين قضت بزوال دولهم، وأن هذا الزوال حتمي يتحقق على يد من يصطفيهم القدر ليكونوا ستارا لقدر الله في إنفاذ وعده الحق: ” وإن عدتم (للإفساد في الأرض) عدنا (لتدميركم والزج بكم في مستقبل قاتم) “..!
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..!