مواطنون أوربيون من درجة ثانية.. مهددون بتجريدهم من الجنسية بسبب إسلامهم
يتعرض المسلمون في عدد من الدول الأوربية للتهديد بتجريدهم من جنسياتهم من بلدانهم بسبب دينهم خاصة في فرنسا وبريطانيا، وهو ما يخلق التمييز داخل الوسط الذي يعيشون فيه وتجريدهم من حقوق المواطنة الكاملة.
وأكد تقرير أنجزه معهد العلاقات العرقية (IRR) وهو مؤسسة فكرية ببريطانيا أن مسلمي بريطانيا أصبحوا مواطنين “درجة ثانية” نتيجة توسع السلطات مؤخراً في تجريدهم من جنسيتهم البريطانية، مشيرا إلى أن السلطات تستهدف المسلمين حصراً تقريباً، وهو ما يرسخ التمييز ويخلق شكلاً أقل من المواطنة، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.
وقال رئيس المعهد فرانسيس ويبر: “الرسالة التي يبعث بها قانون الحرمان من الجنسية وتنفيذه مع المسلمين البريطانيين من أصول جنوب آسيوية هي أن هؤلاء الأشخاص، رغم جوازات سفرهم البريطانية، ليسوا ولن يتمكنوا أبدا من أن يصبحوا مواطنين “حقيقيين”، مثل المواطنين الأصليين”.
وأضاف “المواطن البريطاني (الأصلي)، الذي لا يملك أية جنسية أخرى، يمكنه ارتكاب أبشع الجرائم دون المساس بحقه في الاحتفاظ بالجنسية البريطانية، إلا أنه لا يمكن لأي من المواطنين البريطانيين، البالغ عددهم 6 ملايين، ممن لديهم جنسية أخرى، أن يثقوا في استمرار احتفاظهم بجنسيتهم البريطانية”.
ولفت ويبر إلى أنه قبل استخدام قانون الحرمان من الجنسية مع الداعية المسلم “أبي حمزة” عام 2003، لم يُصرح بالحرمان من الجنسية لمدة 30 عاما. ولكن وقع بعدها، ما لا يقل عن 217 حالة تجريد من الجنسية، 104 منها حدثت عام 2017 بعد انهيار تنظيم داعش في سوريا.
ورغم ادّعاءات الحكومة أن السلطات تستخدم هذا القانون فقط ضد أولئك الذين يشكّلون تهديدا خطيرا للأمن القومي، أو الذين ارتكبوا جرائم بشعة، فإن تقرير “معهد العلاقات العرقية” يظهر أن المحصلة النهائية وتأثير هذا القانون أن بعض الأشخاص لديه “مواطنة مشروطة، أي مواطنة من الدرجة الثانية”.
واستشهد التقرير كذلك ببرنامج “بريفينت لمكافحة الإرهاب” الذي ذُكِرت مزاعم تدور حوله بأنه غطاء للتجسس على الجاليات المسلمة، وقال إن التجريد من الجنسية “مجرَّد جانب واحد من الإجراءات التي تستهدف المسلمين في بريطانيا وخارجها في العقدين الماضيين، والتي أسهمت في تحويل المسلمين البريطانيين في المملكة المتحدة إلى مجتمع مشبوه”.
وتؤكد صحيفة “الغارديان” أن تجريد السلطات جنسية المواطنين كما ورد في “قانون الجنسية والحدود”، أدى إلى رفع الوعي العامّ والنقد للقواعد الحالية بالإضافة إلى الملحقات، مما أثار احتجاجات عامة ومعارضة من النشطاء وبعض النواب واللوردات.
وفي السياق نفسه، واصلت السلطات الفرنسية حملتها على المسلمين، حيث تتّجه وزارة الدّاخلية الفرنسية إلى طرد المزيد من الأئمّة المغاربة الذين يشتغلون بشكل قانوني في الجمهورية، وذلك في أعقاب تنزيل “خطّة ماكرون” لمواجهة “الانفصالية الإسلاموية”.
وتستهدف الوزارة في هذه الخطّة، العديد من الأئمة والجمعيات الإسلامية والزعماء الدينيين، وفقًا لمعلومات من صحيفة “ميديابارت”. وأكّد وزير الدّاخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، على قناة BFMTV، أن هذه الخطة الطارئة تستهدف ما لا يقلّ عن 100 شخص من جنسيات مختلفة، بمن فيهم المغاربة.
ومازالت حسابات داعمة لليمين المتطرف في فرنسا تشن حملات تحريضية عبر منصات التواصل الاجتماعي ضد المسلمين في البلاد، وسط اتهامات بما سموها “محاولات أسلمة فرنسا، والتعدي على قيمها ومبادئها”.
وحذّر جان إيف كامو الخبير في التطرف السياسي والعنصرية بمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، من مخاطر تبني اليمين المحافظ لأطروحات اليمين المتطرف في أوروبا، وكيف تحاول فرنسا تجريد المهاجرين من دينهم وهويتهم مشيرًا لسماح القانون الفرنسي بانتقاد الأديان
فيما لخّص المفكر والباحث الفرنسي المتخصص في القضايا الإسلامية، فرانسوا بورغا هذه المسائل جميعها بالقول”إن المسلم الطيب الوحيد ـ في نظر النخبة الفرنسية ـ هو ذلك الذي لم يعد مسلما”.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” نشرت في 13 فبراير 2022 تقريرا بعنوان “رحيل في الخفاء لمسلمي فرنسا”، تناول عشرات الحالات من المسلمين الذين غادروا فرنسا سرا هربا من الانتهاكات التي يتعرضون لها على أيدي اليمينيين، في ضوء خطاب الكراهية المتصاعد في الآونة الأخيرة.
وأكدت عشرات الشهادات الحية التي قدمها فرنسيون وأوروبيون، حالات الهروب الجماعي من فرنسا إلى بعض بلدان أوروبا، بحثا عن حياة أفضل ومجتمع لا يقهرهم بسبب لحاهم أو حجابهم، ولا يغلق باب الوظائف أمامهم فقط لأنهم مسلمون .
وهكذا تحولت فرنسا من بلد طالما يعزف على وتر تقديم نفسه في صورة الأمة الحضارية التعددية التي تحتوي الجميع، إلى منطقة طاردة لأبنائها وتدفعهم دفعا وبقوة إلى الهجرة، وهي الظاهرة التي حذّر منها كثير من المفكرين والمحللين الفرنسيين، ممن وصفوا ما يحدث بأن فرنسا تحرق نفسها بنفسها.
مواقع إعلامية