من وحي رمضان الأبرك – عبد الحق لمهى
معلوم ما لكتاب الله تعالى ـ القرآن الكريم ـ من المكانة العظيمة في نفوس المسلمين عامة، والمغاربة خاصة، ولا أدل على ذلك من أمور كثيرة، أهمها: الجهود المبذولة في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى، من قبل عدد كبير من المهتمين بكتاب الله تعالى أفرادا ومؤسسات دولة، ممثلة في مؤسساتها الرسمية ذات الصلة بالشأن الديني، ومنظمات مدنية وغيرها.
وليس المقام مقام مزيد تفصيل وبيان لصور هذه العناية المباركة التي يوليها المسلمون للقرآن، فهذا الأمر ظاهر بالعين والأثر لكل مهتم ومتتبع. وإنما القصد الوقوف على بعض الأمور علها تسهم في تقوية مسار حفظ الذكر المنزل من لدن الحكيم العليم على يد الإنسان المسلم المستخلف في الأرض بقصد إعمارها بالخير والصلاح، واليقين كل اليقين أن ما يبذل من الجهد في العناية بكتاب الله حفظا وتدبرا وغير ذلك مما هو مرتبط بالقرآن الكريم، ـ لا شك كل ذلك ـ داخل في عموم واجب المسلم نحو عمارة الأرض.
إن مما يحسن إفراده بالاهتمام مدارسة وبحثا، في فضاءات كل المنشغلين بكتاب الله العزيز، أمورا كثيرة لا تحصى عددا، ومن ذلك ما يأتي:
على مستوى التعليم العالي: تعد شعبة الدراسات الإسلامية في الجامعات المغربية واحدة من المؤسسات التي تعنى بكتاب الله تعالى إلى جانب معاهد أخرى ذات الصلة بموضوع القرآن الكريم، ومعلوم أن تلك الشعب تخرج جيلا من الطلبة والكفاءات التي يفترض أن تكون في المستقبل ممن يقوم على تربية الناشئة وتعليمها، وفي هذا الصدد يكون من المفيد جدا الاجتهاد في إفراد مادة بعينها تخصص لتعليم الطلبة فن قراءة القرآن الكريم برواية ورش عن نافع، التي هي اختيار المغرب والمغاربة في مجال القراءة للقرآن، ويدخل ضمنه أحكام التجويد باعتبارها من لوازم القراءة الصحيحة.
إن من شأن تضمين مادة القرآن الكريم في شق تحسين القراءة والترتيل، مادة مستقلة ضمن برنامج المواد التي تدرس في شعبة الدراسات الإسلامية أن يكون له عائد مهم ومفيد في سبيل الارتقاء بمستوى ضبط كتاب الله تعالى، وطبعا قبل ذلك لابد من الاهتمام بحفظه، إذ هم المطلب الأول إن تيسر الأمر، ومن باب الإشارة فإن ثمة سورا مقررة في المستوى الجامعي في الشعبة المذكورة سلفا، وذلك جهد محمود في بابه، كما أن لا يخفى أن من المواد المقررة لطلاب تلك الشعبة، مادة علوم القرآن إلا أن حجم تعليم وتعلم القراءة وحسن الترتيل، يبدو ضعيفا أو يكاد يكون مفقودا في كثير من الأحيان.
ومن المؤسسات التابعة للتعليم العالي في هذا الباب المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والمدارس العليا للتربية والتكوين، وهي مؤسسات جامعية تعنى بتخريج طلاب يعتبرون مشاريع أطر وكفاءات في مجال التربية والتعليم، مما يجعل أهمية تخصيص مادة من المواد ضمن التكوين تكون وظيفتها الارتقاء بتلك الكفاءات إلى مستوى الجودة في مجال القراءة الجيدة لكتاب الله تعالى، أمرا ملحا.
أما على مستوى المؤسسات التعليمية الأخرى، ويقصد بها المؤسسات ما دون المستوى الجامعي، فيعد المدرس فيها أهم عنصر حيوي وفعال في مجال تعليم وتعلم الأطفال القرآن الكريم، وبناء على ما سبق فإن الواجب عليه مواصلة الجهد في تجويد وتحسين التمكن من لوازم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم من جهته باعتباره مدرسا تقع عليه مسؤولية إقدار المتعلمين على حسن القراءة، وأعتقد أن هذا الكلام له مبرراته التي يمكن أن يتفق حولها المهتمون والفاعلون في الحقل التعليمي التعلمي، من أساتذة، ومفتشين، وغيرهم. فمن خلال مجموع الجهود المبذولة في تنظيم المسابقات القرآنية الرمضانية، يستطيع المتتبع القول بأن ثمة عددا كبيرا من المتعلمين لهم قدرة جيدة في حسن القراءة لما تملكوه من قواعدها من قبل المدرسين، وهذا أمر محمود، ومع ذلك هناك بعض الضعف في هذا الباب يتطلب من الجميع تداركه من خلال مختلف الوسائل المتاحة من أجل ضمان ارتقاء بجودة القراءة لدى المتعلم.
من باب التذكير فقط، تعتبر الأسرة والمسجد وباقي الفاعلين المهتمين بالتربية والتعليم، وكل ما يندرج تحت مسمى مؤسسات التنشئة الاجتماعية، منوطة بتحمل مسؤوليتها ذات الحمل الثقيل والقيام بدورها المطلوب في تعليم الأطفال القرآن الكريم، وليس المقام مقام تفصيل هذه الوظيفة ووضع البرامج الضرورية لتحقيقها، فذلك أمر مقدور على التوصل إليه في ظل وفرة المعلومة وسرعة الوصول إليها، لكن من بين أهم ما يمكن تحفيز الأسر عليه لتقوم بجهد مضاعف داخل فضاء الأسرة، هو أن العناية بتعليم الأطفال القرآن الكريم أمر غاية في الأهمية لما من أثر على جميع مناحي حياة الأطفال، سواء تعلق الأمر بتحسين جودة التعلم لديه في مساره التعليمي التعلمي بالمدرسة، أم تعلق الأمر بتهذيب أخلاقه، وما من شك في أن خير مهذب لخلق الطفل هو كتاب الله تعالى.
تلك بعض الإشارات السريعة، تولدت من وحي النظر والتأمل فيما يبذل من جهود خيرة ومعتبرة في باب الارتقاء بتعليم كتاب الله تعالى.