يعتبر رمضان بالنسبة للمسلمين شهرا للتعبد والصيام وتعزيز التماسك الاجتماعي. لأنهم يؤمنون بأنه شهر الخير والبركات، يبارون برضا وشغف للأعمال الصالحة من صلاة وقراءة القرآن، والاعتكاف، وزيارة والتفقه في الدين، وكذلك الجود والكرم وإكرام الفقراء والمحتاجين.
ورغم من أن المسلمين يشتركون في العادات الاجتماعية، فإن السياق المحلي يؤثر أيضا بقوة على الممارسة، وهذا ما أظهرته عدد الدراسات الاجتماعية عن المغرب من بينها دراسة مارجو بويتيلار (1993) بعنوان “الصيام والولائم في المغرب: مشاركة المرأة في رمضان”، بالإضافة إلى دراسات أخرى في الأردن، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وإندونيسيا، وغيرها.
وتناولت الدراسات شهر رمضان من الجانب الاجتماعي، مثل التضامن والاقتصاد وتكوين رأس المال الاجتماعي، والطاعة وضبط النفس ،والتغييرات التي تطرأ في تعريف الأكل وعاداته.
رمضان يعزز العلاقة بين التضامن والتماسك الاجتماعي بالجود الكرم
وسجلت الدراسة التي قام بها الباحثان الإندونسيان نورس ومحمد شاليهين بعنوان “رمضان: شهر الصيام من أجل التماسك الإسلامي والاجتماعي – رسم خريطة للتأثير غير المستكشف”، مجموعة متنوعة من النتائج التي توضح أن الشعائر والممارسات الدينية في الإسلام تعمل على تحسين التماسك الاجتماعي. واستندت الورقة العلمية إلى دراسة ميدانية أجريت في مقاطعتي غرب سومطرة ويوجياكارتا في إندونيسيا لفحص العوامل المؤثرة على التماسك الاجتماعي خلال شهر رمضان. وبحثت العلاقة بين التضامن كقيمة ميكانيكية آلية والتماسك الاجتماعي يقوم الكرم بالوساطة بينهما خلال شهر رمضان.
وأظهرت النتيجة أن التضامن والتماسك الاجتماعي يكونان أكثر أهمية عندما يكونان بوساطة الكرم. وفي الممارسة العملية، تعمل أبعاد الصدقة (الصدقات والإنفاق) على تعزيز التضامن، أي الوعي الجماعي وروح التعاون، للتأثير على التماسك الاجتماعي. ودعمت أنشطة الكرم التضامن في تعزيز التماسك الاجتماعي بين المسلمين في يوجياكارتا وغرب سومطرة، إندونيسيا.
وتكمن أهمية الدراسة بناء على حجتين أساسيتين:
أولا، يتم تفسير شهر رمضان على أنه مجرد لحظة روحانية وليس بمثابة زخم يمكن من خلاله تعزيز التغيير الاجتماعي من خلال طقوس دينية مختلفة. وتحدد هذه الدراسة أنه من خلال الممارسات الروحية للصيام وأعمال الكرم، يمكن لشهر رمضان أن يعزز التماسك الاجتماعي.
ثانيا، تم اختيار يوجياكارتا وغرب سومطرة، باعتبارهما مقاطعتين يمتلئ سكانهما بالقيم الدينية والثقافية، كمجالات لتصبح نموذجا أوليا تجريبيا للافتراضات التي سيتم التحقق منها.
شهر التغيير الاجتماعي والأنشطة الخيرية
ولا يُفهم رمضان في الدراسات الاجتماعية على أنه مجرد وقت أو زخم فحسب، بل يُفسَّر أيضًا على أنه ساحة اجتماعية حيث يتشكل التغيير من خلال طقوس دينية مختلفة يمارسها المسلمون.
وأجرى علماء الاجتماع في هذا الإطار، العديد من الدراسات. ومع ذلك، فقد ظلوا محدودين بشكل كبير في فحص التغيرات الاجتماعية الناجمة عن زيادة الروحانية في السلوك الاجتماعي للمسلمين.
ومن بين الدراسات المرجعية الدراسة التي أجرتها الباحثة الإماراتية أم سلمى مجتبى (2016) بشأن رمضان، والتي حددت كيف أصبح زخما لارتفاع السياحة القائمة على التدين. خلال شهر رمضان، حيث تتحول صناعات السياحة المختلفة، مثل الفنادق والمطاعم، إلى مساحات تسلط الضوء على الإكسسوارات الإسلامية والتدين.
بالإضافة إلى ارتباطه بالاقتصاد، يؤثر رمضان بالتأكيد على الحياة الاجتماعية، كما حددته العديد من الدراسات التالية. وقد أدرك سيرينا أحمد وكابيل جويل (2012) من ماليزيا في دراسة بعنوان “السلوك النفسي والاجتماعي والفوائد الصحية للصيام الإسلامي خلال شهر رمضان”، أن الشهر يشجع على التكيف مع المؤسسات الاقتصادية والأسواق والتماسك الاجتماعي. ويتضح هذا من خلال زيادة الأنشطة الخيرية، مثل قيام الدولة بإعطاء الصدقات للفقراء والمحتاجين.
ويُعتقد أن زيادة الأنشطة الخيرية هي أداة لتعزيز التماسك الاجتماعي. وقد أكدت هذه الدراسة بشكل متزايد وجهة النظر القائلة بأن رمضان هو مجال يحدث فيه التغيير الاجتماعي، وإن كان مؤقتا ودوريا.
وتصبح هذه النظرية الأساس للتأكيد على أن رمضان أصبح “دراسة ميدانية” حيث يمكن تحديد عوامل مختلفة ووضعها كمؤشرات للتغيير الاجتماعي على مستوى المجتمع (أي الأمة). لذلك، من الضروري تحديد العوامل المسؤولة عن التغيير فيما يتعلق بالتماسك الاجتماعي.
وتعرّف الدراسة التماسك الاجتماعي بأنه “عملية تقدير وتعبير وتعزيز الحب والثقة والإعجاب والسلام والوئام والاحترام والكرم والمساواة تجاه الآخرين في أي مجتمع معين، بغض النظر عن الأصل القومي والوزن والحالة الاجتماعية والعرق واللون والجنس والعرق والعمر والمهنة”.
وفي هذا الصدد، تصوغ هذه الدراسة متغيرين لتحديد التماسك الاجتماعي في رمضان: الكرم والتضامن. وفي الوقت نفسه، فإن التماسك الاجتماعي يتضمن خمسة أبعاد على الأقل: الشعور الأخلاقي، والتسامح، والشعور بالانتماء، والشعور بالأمن، والتناغم الاجتماعي.
وطورت هذه الدراسة إطارا فريدا لتحديد المتغيرات التي تؤثر على أبعاد التماسك الاجتماعي في رمضان. هناك بعدان للمتغير الخارجي، وهما الوعي الجماعي وروح التعاون، مع المواقف كمتنبئين بالشعور الأخلاقي والتسامح والشعور بالانتماء والوئام الاجتماعي. المتغير الوسيط له بعدان، يتكونان من الإنفاق والصدقات.