من كُردستان إلى غزة.. سؤال الروابط؟ – شيروان الشميراني

أريد هنا توضيح نقطتين اثنتين:

أولاً: – إذا كانت المحاولات التي حصلت من جانب الاحتلال خلال العقود الفارطة والتي استهدفت الانفراد ببيت المقدس وأهلها، وقطع جميع الوشائج بينها وبين المسلمين عموماً، فإن الجهود الطبيعية المعاكسة لتلك المحاولات المخادعة والكاذبة تقضي بالعمل على إحياء الروابط بين عموم المسلمين وبيت المقدس وأكنافها، أي أن يتوسع جسم المقاومة ليكون بحجم جسم الأمة الإسلامية ضدّ إحتلال الأرض المقدسة بقدر جسم المحتل وقدر ضخامته المادية له والمسخِر لكل الأدوات التضليلية من أجل تثبيت وجودها الباطل في الذاكرة العامة، والتلاعب بعقل المجتمعات البشرية، أي لا بدّ من مواجهة حالة الاحتلال المضللة و فسخ نظرياته التي البسها على العالم بنفس الأدوات وذات الحجم والتوسع.

وقد يمتلك المسلمون وكذلك المسيحيون الّذين يعانون من وطأة الاحتلال حججاً ووشائج توحد بينهم وبين بيت المقدس وأهلها، أكثر بكثير من إختلاقات الدوائر الصهيونية الغادرة، وقبل الحديث عن الاندماج شبه الكامل بين الشعب الكوردي وشعب غزة، أذكر أربعة معايير تكون كافية للإستدلال على أن قضية فلسطين، والتطهير العرقي الجاري في غزة الآن هو قضية الشعب الكُردي والشعوب المسلمة كلها.

  • المعيار الديني، إن أهل فلسطين يدفعون ثمن سكناهم بجوار المسجد الأقصى، أي أن الحرب هي بدوافع دينية ثم استعمارية، وإن القدس ليست كباقي الأراضي فهي مبارك في مسجدها ومبارك فيما حولها، مبارك بنص قرآنيّ، وبحكم الإنتماء الى هذا الدين تكون القضية هي قضية كل مسلم.
  • المعيار الأخلاقي- الإنساني، إن الحس الحيّ، والضمير الحيّ، الخصال التي تميز الإنسان عن الحيوان، الشعور بآلام الآخرين، دليل على إنسانية الإنسان، وبخلافه، يكون التردي الى الدرك الحيواني.
  • المعيار القانوني، أي أن القوانين الصادرة منذ سنة 1948 ولغاية الآن، من تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومن تلك المتعلقة بحقوق الانسان العامة، أو حقوق تقرير المصير والدفاع عن الأرض وعدم شرعية الاحتلال، أو تلك المتعلقة بحماية الأرواح خاصة في حالة الحروب وأخص منها الأطفال والنساء والعجز، ممن لا يحاربون، كل ذلك تكفي للإستناد إليها وبشرعية الدعم والوقوف إلى جانب الشعب الغزاوي.
  • المعيار التاريخي، إن للشعب الكُردي حالة خاصة في العلاقة بفلسطين، وهي تبدأ من حقبة الناصر صلاح الدين الأيوبي، فالوجود الكُردي في مدن وبلدات فلسطين ومنها القدس الشريف ظاهر، والعوائل الكُردية مازالت باقية بألقابها هناك، أولاء ممن ذهبوا مع صلاح الدين كجنود واستقروا، لم يعودوا الى الأرض، بل حوَّلوا تلك الأرض الجديدة إلى أرض الأجداد، وغزة فيها الكثير من الكُرد، وحسب الدلائل التاريخية، فإن “حي الشجاعية” في غزة تعود إلى مؤسسها ” شجاع الدين عثمان الكُردي” القائد العسكري في جيش صلاح الدين، وكان عدد العائلات الكوردية تشكل الأغلبية الساحقة من سكانها، كما أن الكثير من المدن الأخرى فيها من يلقبون بالكورد، مثل “حي الشيخ جرّاح” في القدس. فالدماء والأرواح مختلطة بين الشعب الكُردي والشعب الفلسطيني، بحكم الدين والتاريخ، وقد بدأ الحديث في الوسط الإعلامي والثقافي الكوردي بأن هؤلاء هم أهلنا.

ثانياً: – عن الجسر الروحي والمادي الرابط بين كوردستان وأهل غزة في هذه الأيام الحالكة، وعلى عكس ما يتخيله المترفهون فإن هذه الايام تكون أحلك على الأمة المسلمة منها على أهل غزة، لأن الصفاء الذي يتمتع به سكان غزة في الأرواح، والبصيرة التي يحملونها لحقيقة الحرب الدائرة تنور ما هي منطقة ظلماء لدى الآخرين، قد يرى الآخرون بأن النور هي التي تضيء العالم المادي، في حين إن النور الحقيقية هي التي توضح معنى الحياة لتكون بلا غبش أمام الناظرين، وليس تلك التي ترى بها الأرواحُ الممزقة الأرضَ الميتة.

ليس الشعب الكوردي من النوع المترفه مادياً، ولا ممن يُكدسون المال الكثير أو يصرفونها من أجل المتعة، فإن الغالبية الساحقة منهم يعيشون على الراتب الشهري، وهذا الراتب جعلته الاحداث السياسية وسوء الإدارة ورداء العلاقات مع الحكومة الاتحادية في بغداد كأنه قطرات تغيثهم كل ثلاثة أشهر مرة واحدة، لكن مع هذا، فإن إيثار أهل غزة على النفس، والمنافسة من أجل تخفيفٍ يكون تحت المقدرة، دفع بالشعب في كوردستان للسباق من أجل إرسال المعونات والتبرعات الى أهل غزة، ونشطت المنظمات المحلية في هذا المجال حتى أصبح التبرع لغزة ظاهرة عامة، يتحدث به الجميع، وتُخَصَّص له برامج وقنوات وإعلانات، ربما أبدعت كوردستان من طرق جمع الأموال لغزة ما ليس موجودا في أماكن أخرى.

أريد وبقدر ما يتعلق بحانب التبرعات تسجيل النقاط التالية: –

  • إنه ما من قيد رسمي يحدّ من جهود الإغاثة لغزة ولا تضييق على الإطلاق، فالأبواب مفتوحة والتحرك متاح، دون سؤال من أي جهة رسمية ولا مساءلة لا عن المتبرع ولا عن الجهة المقصودة، وهذا من محاسن السلطات في إقليم كوردستان يجب أن يسجل لصالحها.
  • لم يتخلف غني ولا فقير من إرسال شيء إلى غزة، سوى من هو غير مقتنع من الأساس من الذين وقعوا ضحية الإعلام المعادي المشوِش على حملة مساعدت غزة والشبهات التي يطلقونها على حركة التبرعات، أو الفكر المناويء، الذين يخرجون القضية من قضية إنسانية إلى حالة فكرية، وهؤلاء قلة.
  • من القصص التي ينبغي لها البقاء في الذاكرة، أن شخصا تبرع بسيارته الشخصية وجاء بها إلى المركز الرئيسي ل “المنظمة الخيرية الإنسانية” التي أسسها الدكتور علي القرە داغي، وهي من النوع الحديث لبيعها وإرسال ثمنها كلها الى غزّة.

لكن الإبداع في جمع الاموال كان في مجال آخر، وهو التنافس بين القبائل في جمع التبرعات، بدأت القبائل تجتمع في الديوان بعد نداء شامل لجميع أبنائها، وتبرع كل فرد أو عائلة بقدر ما يريد و بقدر ما يتمكن، ثم جمعها وإرسالها عبر المنظمات الخيرية العاملة النشطة إلى غزة، وعشيرتي ” شَميران” بحمد الله فعلت ذلك بجمع مبلغ مناسب من أجل عزة. وأصبحت طرقا من طرق إثبات على أن أهل غزة هم أهلنا، ولا أشكّ أن الإيثار على النفس كان حاضراً، سواء على المستوى الشخصي أو العشيرة، لأنني من أهل الدار وعالِم بالحال، وما يعانيه الناس من قلة في الموارد لأسباب منها تلك التي ذكرناها.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى