من إنجازات المسلمين في رمضان 9| فتح مكة .. يوم عفو عام

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.

وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.

ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات. 

فتح مكة في رمضان من السنة 8 هـ الموافق 630 م يمثل حدثا محوريا في تاريخ الإسلام، يقول صاحب كتاب سبل السلام من صحيح سيرة خير الأنام عليه الصلاة والسلام صالح بن طه عبد الواحد: “هو الفتح الأعظم الذي أعزّ الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين”.

وقد جاء الفتح الذي دخل فيه الناس أفواجا دون سلاح أو قتال، وفي هذا يقول أبو بكر الرازي الجصاص في كتابه شرح مختصر الطحاوي للجصاص: “قال أحمد: لم يختلف أهل السير ونقلة المغازي والآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة بالسيف قهرًا”.

حتى أن الرازي حاجج من قال بعكس ذلك، إذ قال “ولا ينكر فتح مكة على هذا الوجه الذي قلنا إلا أحد رجلين: إما رجل جاهل بالأخبار، إذ كان طريق ما ذكرنا العلم بالأخبار، وسماع الآثار، أو رجل مكابر مباهت بعد سماعه للأخبار الواردة في فتح مكة”.

ويومها دخل رسولنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ونظر إلى آلاف الوجوه التي فعلت به الأفاعيل طِيلَة عقدين من الزمان يضع رأسه وهو راكب على دابَّته، حتى قيل إنها تكاد تلامس رأسه ظهر الدابة؛ تخشُّعًا وخضوعًا لله، وهم ينتظرون القضاء العادل لرسول الرحمة.

ثم فاجأهم النبيّ الأعظم بالسؤال: يا معشرَ قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟، وكأنما كان السؤال نفسه طوق نجاة لهم، فسرعان ما أجابوه قائلين: خيرا، أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم، قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لأخوته: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92]، اذهبوا، فأنتم الطلقاء. 

وقد حقق الله تعالى وعده لرسوله والمسلمين حين قال {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: ١ – ٣].

وفي هذا يقول ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير “وَقَدِ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ إِلَّا رِوَايَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ فَتْحُ الْمَدَائِن والقصور، يعنون الْحُصُونَ”.

ويسرد صاحب كتاب السيرة النبوية راغب السرجاني مزايا هذا الفتح قائلا “كان يوم فتح مكة يوماً مشهوداً، وفيه من الدروس والعبر الكثير، من ذلك: احتواء الموقف، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل بتكسير الأصنام، وتأليف القلوب، والصفح والعفو عن ألد الأعداء وإدخالهم في حظيرة الإسلام بالأخلاق الرفيعة العالية، وغير ذلك من المواقف العظيمة التي فعلها صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة”.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى