من إنجازات المسلمين في رمضان 10| ابن بطوطة رحالة مغربي طاف العالم ونقل مشاهد الصيام

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.

وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.

ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.

المغربي ابن بطوطة هو نجم صنع داخل هذه الحضارة الإسلامية، وفاض على العالم بصورة شاملة عن جغرافيته ودوله وتقاليده واحتفالياته وضمنها شهر رمضان المعظم، وقد كتب محمد بن جزي أخبار أسفار ابن بطوطة تحت اسم “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.

ويسلط كاتب المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة لمحمد محمود محمدين الضوء على العلم الشهير “ومما لا جدال فيه أن أبا عبد الله محمد بن محمد اللواتي الطنجي المعروف باسم “ابن بطوطة” هو أمير الرحالة المسلمين بلا منافس، وقد قضى نحو ثلاثين عامًا في أسفار”.

ويحسب المسافة التي قطعها هذا الرحالة ويقدرها في ما لا يقل عن خمسة وسبعين ألف ميل “120 ألف كم”، بعد أن بدأها بخروجه في يوم الخميس الثاني من شهر رجب عام خمسة وعشرين وسبعمائة هجرية لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.

يقول “لم يكن يدور بخلد صاحبنا أنه لن يعود إلى وطنه إلا بعد مضي أكثر من ربع قرن”، وكانت هذه السنوات حبلى بالمشاهدات والآثار والإسهامات التي قدمها هذا العالم الفذ إلى العالم، بعد أن ربط الاتصال بدول المعمور المعروفة آنذاك.

وفي موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي نجد أن ابن بطوطة هو رحالة مشهور. وُلِد فى طنجة بالمغرب الأقصى سنة (703 هـ = 1304م)، ونشأ فى أسرة علمية؛ فحفظ القرآن الكريم، ودرس الفقه، وشغف بقراءة كتب الرحالة والاستماع إلى أخبار البلدان من الحجاج والتجار، ثم أخذ هذا الشغف بُعدًا عمليًّا، 

بدأ ابن بطوطة رحلاته وهو في الحادية والعشرين من عمره، وقام برحلات ثلاث: الأولى: امتدت أربعًا وعشرين سنة، زار فيها مراكش والجزائر وتونس ومصر والشام والعراق وإيران وتركيا والحجاز واليمن وشرق إفريقيا وعمان والبحرين والهند وخراسان وتركستان وأفغانستان والسند والصين وغيرها.

أما الثانية فقد امتدت سنتين تقريبًا، ففي السنة التي عاد فيها من رحلته الأولى إلى فاس سافر إلى الأندلس. والأخيرة: إلى غرب إفريقيا؛ فزار سجلماسة وتفازا ومالي وزاغري وتمبكتو وتكدَّا وغيرها.

وتُعد رحلة ابن بطوطة من أهم الرحلات التى كتبت فى عصره؛ فقد قطع (140) ألف كيلو متر، ودون فيها عادات أهل البلاد التي زارها ونوادرهم، وقابل العلماء والأمراء والوزراء. ثم استقر ابن بطوطة فى رحاب السلطان المغربي أبي عنان المريدي، يحدث الناس بما رآه،

وقد أمر السلطان وزيره ابن جُزَي بكتابة ما يمليه ابن بطوطة، فكتبه، وسمَّاه تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. وتُوفِّى ابن بطوطة في مراكش، وقيل: في فاس سنة (770 هـ = 1368م)، وقيل: سنة (779 هـ = 1377م).

وفي ما يتعلق برمضان، تروي المصادر التاريخية أن رحالتنا وصول إلى دمشق يوم الخميس (9) التاسع من رمضان عام (726) ست وعشرين وسبعمائة هجرية، وقد أورد فضائل لأهل دمشق في الاحتفاء رمضان في كتاب رحلته “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”. 

يقول “من فضائل أهل دمشق أنه لا يُفْطِر أحد منهم في ليالي رمضان وحده البتة، فمن كان من الأمراء والقضاة والكبراء فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون عنده، ومن كان من التجار وكبار السوقة صَنَعَ مثل ذلك، ومن كان من الضعفاء والبادية فإنهم يجتمعون كل ليلة في دار أحدهم أو في مسجد ويأتي كلُّ أحدٍ بما عنده فيفطرون جميعا”.

أما في وصف الاحتفال برمضان في الحرم المكي الذي حضره فيقول فيه “وإذا أهل هلال رمضان تُضْرَب الطبول والدبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرم نورًا ويسطع بهجة وإشراقا”.

كما يقول في وصف الاحتفال بليلة القدر في الحرم “وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي، ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم”.

كما سرد شهود لرمضان في عدة مدن منها عند السلطان أوزبك، ومدينة البلغار في 28 رمضان وشهد عيد الفطر الذي تزامن مع الجمعة، وكذا مدينة آباد الهندية، والجزائر، ومالي..

موقع الإصلاح