من إنجازات المسلمين في رمضان 7| إنهاء الاستكبار المغولي بعين جالوت

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.

وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.

ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.

وقفتنا اليوم عند معركة عين جالوت لكونها شكلت انعطافة حاسمة في تاريخ العالم، فهي المعركة التي وضعت حدا للاستكبار العالمي الذي قاده المغول في نصف العالم المعروف آنذاك وعتوا عتوا كبيرا، إلى درجة أن كتب التاريح تتحدث عن قتلهم ما يقارب المليون نسمة ببغداد سنة 656هـ، مع تخريب المكتبات..

وفي زحفهم نحو مصر غدروا بأهل حلب، كما دخلوا دمشق دون مقاومة، ثم أرسلوا إلى حكام مصر يطلبون منهم تسليم البلاد، ووصَلوا حتى غزَّة، فكان ردُّ الملك المظفر عليهم أن جمع جنده، وتوجهوا للشام لقتال التتار.

فكان السلطان المظفر قطز، يساعده بيبرس البندقداري يقودان جيش المسلمين، وفي الطرف الأخر كان كتبغانوين، وهو من أشهر قادة هولاك يقود جيش المغول الذي انطلق من وسط آسيا بتعليمات من جنكيز خان نحو العالم.

اتبع قطز استراتيجية جديدة لمواجهة المغول، بعد أن رأى أن مجرد الدفاع والتمترس داخل المدن لا يكفي، كما فعل المسلمون سابقًا، من الخوارزميين وغيرهم ممن اكتوى بنار المغول، بل لا بد من المواجهة والمنازلة.

وبناء على ذلك، خرجت كتيبة بقيادة بيبرس إلى غزة لقتال الحامية المغولية فيها، فاشتبك بيبرس معها، وأوقع بها هزيمة نكراء، كانت أول معركة ينتصر فيها المسلمون على المغول، كما كان لها وقعٌ حسنٌ في نفوس جيش المماليك، حيث كانت مقدمةً للمعركة الكبرى.

وفي الخامس والعشرين من شهر رمضان، عام (658 هـ)، وصل قطز بجيشه إلى عين جالوت، وكان يدرك تفوق جيشه على جيش المغول في العدد؛ لذا أخفى عنهم قواته في التلال المحيطة، ولم يعرض إلا مقدمةَ جيشه، ليستدرجهم قائدُها بيبرس بتقهقره إلى التلال المحيطة، فاشتدت مطاردة المغول لهم، ووقعوا بذلك في فخ قطز، فأحاطت قواته بالمغول، وهناك دارت معركة عين جالوت.

لم يكتفِ قطز بكل ذلك، بل أرسل مقدمةَ جيشه بقيادة بيبرس لتتبُّع الفارين من المغول، واستطاع بيبرس في بضعة أسابيع تطهير بلاد الشام من رجسهم، حتى أوصلهم إلى أعالي بلاد الشام من الجزيرة الفراتية، وأعلن بعدها قطز توحيد بلاد الشام ومصر في دولة واحدة تحت زعامته.

وبالتالي، تكمن أهمية معركة عين جالوت في أنها أوقفت الزحف المغولي نحو مصر وبلاد الشام، وأسست لنهاية هيمنة المغول على العالم، كما أنها عززت من مكانة الدولة المملوكية وأتاحت لهم الفرصة لتطوير سلطتهم ونفوذهم في العالم الإسلامي.

وقد أظهر النصر الذي تحقق للمسلمين تهاوي مقولة أن: “أن المغول جيش لا يقهر”، بعد ما عرف عليهم من وحشية، وساهمت هذه المعركة في استعادة السيطرة على الأراضي من المغولين وكسر شوكتهم، ومن جهة أخرى حماية الدول الأوروبية التي كانت هي الوجهة الأخرى للمغول بعد إنهاء العالم الإسلامي.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى