من إنجازات المسلمين في رمضان 6| عباس بن فرناس المخترع والطيار وابتكاره بطنجة

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.

وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.

ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.

وقد كانت للعالم عباس بن فرناس صولاته وجولاته من مجال المخترعات العجيبة التي غطت رمضان وغيره من الأشهر، وبعضها تعلق بمعرفة المواقيت وبداية الشهور، وضمها رمضان، فبصم بها ليس تاريخ المسلمين فحسب بل التاريخ العالمي.

ويطلعنا كتاب معجم الشعراء العرب بأن عباس بن فرناس هو “مخترع أندلسي، من أهل قرطبة، من موالي بني أمية.. كان في عصر الخليفة عبد الرحمن الثاني بن الحكم (في القرن التاسع للميلاد).. وكان فيلسوفاً شاعراً، له علم بالفلك”.

وعن اختراعاته يخبرنا معجم الشعراء العرب بكون عباس بن فرناس “هو أول من استنبط في الأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وصنع (الميقاتة) لمعرفة الأوقات، ومثل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها”.

ويتابع في سرد اختراعاته قائلا: “أراد تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش، ومد له جناحين طار بهما في الجو مسافة بعيدة، ثم سقط فتأذى في ظهره لأنه لم يعمل له ذنباً، ولم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه، فهو أول طيار اخترق الجو، ولبعض شعراء عصره أبيات في وصف سمائه وفي طيرانه”.

ويعرف كتاب موسوعة سفير للتاريخ الإسلامي عباس بن فرناس بأنه: “هو أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس. فيلسوف وعالم رياضييات وكيميائي، وفلكي، وموسيقي، وشاعر. وُلِدَ فى كورة تاكرنا (رنُدة) بجنوب الأندلس نحو (190 هـ)، وينتمى إلى أسرة من البربر، ونشأ فى قرطبة”.

ويضيف “برع – منذ شبابه – فى الفلسفة والكيمياء والطبيعة والفلك، وانتهت تجاربه فى مجال الكيمياء الصناعية إلى اختراع الزجاج من الرمال، كما اخترع آلة لمقياس الزمن الميقاتة.. وهو أول من حاول أن يخترع أداة للطيران، فكانت محاولته الطيران فى الجو هى التى اشتهر بها. تُوفى ابن فرناس سنة (260هـ) عن عمر يناهز سبعين عامًا.

حتى أن استعارات أشعار عباس بن فرناس تغترف من حقل دلالي ينتمي إلى الفلك والفضاء والكيمياء، ونورد أمثلة على ذلك من كتاب التشبيهات من أشعار أهل الأندلس لابن الكتاني لتبيان ذلك:

قال عباس بن فرناس:

حنايا كأمثال الأهلة ركبت *** على عمدٍ تعتد في جوهر البدر

كأن من الياقوت قيست رؤوسها *** على كل مسنونٍ مقيض من السدر

ترى الباسقات الناشرات فروعها *** موائس فيها من مداولة الوقر

كأن صناعاً صاغ بين غصونها *** من الذهب الناري عراجين من تمر

نشت لؤلؤاً ثم استحالت زمرداً *** يؤول إلى العقيان قبل جنى البسر

ويورد العلامة أبو بكرالزبيدي صاحب كتاب “طبقات النحويين واللغويين” صفات عباس بن فرناس بن ورداس التي فاق بها غيره فيقول: “كان متصرفًا في ضروب من الآداب، وكان من أهل الذكاء والتقحُّم على المعاني الدقيقة، والصناعة اللطيفة، وكان الشعر أغلبَ أدواته عليه”.

ولئن كانت تجربة الطيران هي أشهر إنجازاته العلمية التي خلَّدها المؤرخون في كتبهم والشعراء في قصائدهم، فإن سجلَّ عباس بن فرناس حافل بالمزيد من الإسهامات المفيدة للإنسانية التي لا تقل أهمية، ومنها أنه اخترع ساعة مائية عُرفت بـ«الميقاتة» لمعرفة أوقات الصلاة وأوقات الشروق والغروب كما جاء في الأعلام، وصنع عدسات تصحيح البصر.

وفي ما يخص المغرب آنذاك، يقول  صلاح الشهاوي في مقال بعنوان “عباس بن فرناس .. أول رائد فضاء في التاريخ” منشور بموقع تاريخ الإسلام “اشتهر ابن فرناس بصناعة الآلات الهندسية مثل المنقالة -آلة لحساب الزمن-، ونرى نموذج ذلك بالمسجد الكبير بمدينة طنجة، كما اشتهر بصناعة الآلات العلمية الدقيقة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى