من إنجازات المسلمين في رمضان 4| أسطرلاب لتحديد المواقيت ورصد الفضاء

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.
وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.
ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.
وبما أن شهر رمضان الذي كان ولايزال شهر الصوم والعبادة عند المسلمين، فكان لزامًا عليهم تحديد وقت بدايته ونهايته بدقة شديدة، فكان لمريم الإسطرلابي التي ترعرعت في حلب شمال سوريا في القرن العاشر بصمتها الخاصة.
ويتحدث مقال نشر في مجلة العربي عن إيراد كتاب «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» ذكرًا لاستخدام الإسطرلاب في عملية التنبؤ بهلال العيد، ويضيف أنه من خلال الإطلاع على الكتب والتي تحدثت عن «الإسطرلابات» وخصوصًا كتاب«الطبقات»، نستنتج أنه كان لكل منطقة في الدولة الإسلامية «إسطرلاب» رئيسي ينظم الحياة في هذه المنطقة.
ورغم أن آلات الأسطرلاب كانت معروفة بأشكال متعددة لدى القدامى إلا أن مريم الإسطرلابي عملت في مجال العلوم الفلكية لمدة تتراوح ثلاثة وعشرين سنة أي من عام 944 حتى عام 967، وفي هذا الأثناء اخترعت مريم الإسطرلاب المعقد وعملت على تطويره.
وهو آلة فلكية قديمة أطلق عليها العرب “ذات الصفائح”. استطاعت مريم، التي عاشت في في العصر العباسي في فترة حكم سيف الدولة الحمداني، أن تطوير عمل الأسطرلاب المعقد، وهو نموذج ثنائي البعد للقبة السماوية، يظهر كيف تبدو السماء في مكان محدد عند وقت محدد.
وقد أخذت مريم الإسطرلابي علمها ومعرفتها الواسعة بعلم الفلك من والدها، حيث كان عالما في الفلك والرياضيات والجغرافية من أهل گيلان. اسمه الكامل هو أبو الحسن كوشيار بن لَبَّان بن بأشهري الجيلي، وأشتهر باسم كوشيار الجيلي ولد في عام 966م – 350، وتوفي في عام 1029 ميلادياً.
ومن ضمن كتب والدها التي استندت عليها في الغالب كتاب (الإسطرلاب وكيفية عمله واعتباره على الكمال والتمام)، و(المجمل في أصول صناعة النجوم). وتتوزع كتبه في تركيا، وإيران، وفرنسا، ومصر، وسوريا، والعراق، والمتحف البريطاني، والمكتبة البريطانية، وجامعة أوكسفورد.
لقد كان لآلة الإسطرلاب دور مهم للمسلمين، حيث كانت تستخدم لتحديد مواقيت الصلاة ومواقيت النهار والليل بدقة، وتحديد اتجاه القبلة بدقة عالية، بالأخص عند اتساع الرقعة الإسلامية، ومعرفة زمن بداية المناسبات الدينية والشهور المهمة مثل شهر رمضان.
في عام 1411 للهجرة 1990م أطلق الفلكي الأمريكي هنري إي هولت اسم مريم الاسطرلابي على حزام الكويكبات الذي اكتشفه أثناء عمله في مرصد بالومار الفلكي في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وفي عام 1437 للهجرة (2015 ميلادي) استلهمت الكاتبة الأمريكية نيدي أوكورافور شخصية مريم الاسطرلابي لتؤسس عليها شخصية البطلة في روايتها “بنتي” التي حازت على جائزة هوغو الأدبية التي تعتبر من أرفع جوائز أدب الخيال العلمي في العالم.