من إنجازات المسلمين في رمضان 16| علماء سيتنهضون همم المسلمين للجهاد

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.

وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.

ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.

شهدت الأمة الإسلامية لحظات حالكة في مسار تاريخها الممتد بفعل عوامل خارجية متمثلة في الهجمات الصليبية والمغولية.. أو عوامل داخلية متجسدة في الفرقة والطائفية والخيانات الداخلية، وقد تم معالجة كل هذه الاختلالات على يد علماء وقادة قادوا الأمة إلى بر الأمان.

وقد شكلت محطة شهر رمضان أهم المحطات التي شهدت انخراط العلماء في مسارات معالجة الأوضاع المختلة أو تحفيز المسلمين على تغيير أوضاعهم والانتصار على أعدائهم في عالم الروح أو عالم الشهود.

من تلك النماذج شيخ الإسلام ابن تيمية الذي نزل بكل ثقله في معركة شقْحَب أو مرج الصفر التي وقعت في أول رمضان سنة (702) اثنتين وسبعمائة بين المسلمين من أهل الشام ومصر من جهة والتتار من جهة أخرى، بقيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون. وكان ابن تيمية يُشجع الناس ويأمرهم بالجهاد ويُشاركهم فيه. 

يتحدث سيد حسين العفاني في كتابهنداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان” عن الدور الذي لعبه الشيخ ابن تيمية، فمن جهة تصدى هو والعلماء للمرجفين المثبطين الذين كانون يرددون: لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار، حتى استطاعوا أن يقنعوا الأمراء بالتصدي للتتار مهما كان الحال.

ومن جهة أخرى، كان يعدهم بنصر قريب، ويورد العفافي أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يحلف للأمراء والناس، إنكم في هذه الكرّة منصورون. فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله. فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً”.

ويقول محقق كتاب “الإيمان الأوسط” لابن تيمية علي الزهراني، “ولقد توجت تلك الجهود الكبيرة التي بذلها شيخ الإسلام في جهاد التتار، بالمنقبة الحميدة والمأثرة الجليلة التي تجلت في معركة “شقحب”.. وقد تحقق ما وعد به الشيخ.. وأنزل الله النصر على المسلمين، فأوقعوا بالتتار يقتلون فريقًا، ويأسرون فريقًا”. 

وعند العفافي، كانت المعركة في يوم السبت 2 رمضان في سهل شقحب الذي يشرف عليه جبل غباغب. وكان عدد الجيش المغولي خمسين ألف مقاتل، وقيل إن عدده كان يصل إلى مائة ألف وكان فيه فرقتان الكرج ونصارى الأرمن. 

 وكان السلطان الناصر والخليفة المستكفي بالله والقضاة والأمراء في القلب ومر السلطان والخليفة والقراء بين صفوف الجيش وكانوا يقرؤون آيات القرآن التي تحض على الجهاد والاستشهاد وكان الخليفة يقول: دافعوا عن دينكم وعن حريمكم.

والتحم القتال وثبت السلطان ابن قلاوون ثباتاً عظيماً، وأمر بجواده فقيدّ حتى يهرب، وبايع الله تعالى في ذلك الموقف وصدق الله فصدقه الله وقُتل جماعة من سادات الأمراء يومئذ منهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي، وثمانية من الأمراء المقدمين معه.

ويختم العفافي أنه في يوم الاثنين رابع رمضان رجع الناس من الكسوة إلى دمشق فبشروا الناس بالنصر. وفيه دخل شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين، ففرح الناس به، ودعوا له، وهنؤوه بما يسرّ الله على يديه من الخير.

أما الشيخ العز بن عبد السلام فقد نزل بثقله في العصر الأيوبي في معركة المنصورة وكان حينئذ ضريرا، ولم يمنعه ذلك من أن ينطلق ومن معه من علماء الأمة يصعدون منابر المساجد، ويلهبون مشاعر الناس بحديث الجهاد ورغّبوا الناس في الجنة، وزهّدوهم في الدنيا، وعظّموا لهم أجر الشهداء.

ويروي المؤرخ راغب السرجاني في كتابه “التتار من البداية إلى عين جالوت” أن العز بن عبد السلام ومن معه كانوا يحدثون الناس عن “عظماء المسلمين المجاهدين كخالد والقعقاع والزبير والنعمان وطارق بن زياد وموسى بن نصير ويوسف بن تاشفين وعماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي”.

ويرى أن كل تلك المجهودات أفضت إلى أن “أصبح شعب مصر مؤهلاً تماماً ليوم اللقاء، واستمر إعداد الجيش وتجهيزه وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين مدة خمسة أشهر..عندما جاءت الرسالة من هولاكو إلى نهاية شهر رجب من نفس السنة”.

ويشير صاحب كتاب “دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ” شحاتة صقر إلى أن هذه المعركة وقعت في شهر رمضان سنة 647هـ ضد الصليبيين. فقد قدم (لويس التاسع) ملك فرنسا يقود جيشًا قوامه 110 آلاف مقاتل، مزودين بأحدث أنواع الأسلحة، في أحدث حملة صليبية. في معركة كانت بقيادة توران شاه.

وقد واصل زحفه حتى استولى على دمياط سنة 1249م، ثم توجّه إلى المنصورة، وهنا يبدأ صقر في سرد المجهودات التي قامت بها مختلف الشرائح ومنها العلماء يقول: “اشترك فيها العربان والمشايخ والفلاحون، واشترك في تعبئة الروح المعنوية الإمام (العز بن عبد السلام) وهو يومئذ ضرير”.

وقد أفضى كل ذلك حسبه إلى انتصار المسلمين، قائلا “انتهت المعركة بأن أسر المسلمون من الصليبيين مائة ألف وقتلوا عشر آلاف، وأُسر الملك لويس التاسع، وسجن بدار ابن لقمان بالمنصورة، ثم افتُدي الملك بدفع (٤٠ ألف دينار)، وأٌطلق سراحه”.

وكان للأسطول المصري أثر حاسم في معركة المنصورة الأولى في عهد الكامل سنة 617، وكان عدد شواني المسلمين مائة قطعة والمعركة الثانية سنة 647هـ، تلك التي انتهت بهزيمة الغزاة من الفرنج، حسب أحمد حسن الزيات في كتاب مجلة الرسالة.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى