من إنجازات المسلمين في رمضان 11| فتح عمورية .. ثمن صرخة وامعتصماه!

يحفل تاريخ المسلمين بإنجازات حضارية تمت في شهر رمضان الكريم لازالت بادية للعيان؛ يشهد بعضها على عبقريتهم ورقيهم، ويدلل البعض الأخر على حيازتهم قصب السبق في مجالات معرفية متعددة، حتى سارت بها الركبان كما يقال.
وكان عطاء المسلمين في شهر رمضان مضرب مثل على القدرة على بين العمل والإبداع من جهة، وأداء الشعائر التعبدية من جهة أخرى، فلم يعرف عنهم فتور بسبب الصيام والقيام، بكل كان حافزا لهم في درب الجود والعطاء.
ولا ينحصر رصد “سلسلة إنجازات المسلمين في رمضان” على إيراد الملاحم التي يشتهر بها شكر رمضان، بل يمتد إلى سرد الانجازات في مناحي متعددة، حتى لا يحسب على هذا الشهر أن شهر الغزوات والمعارك الكبرى فقط وإنما فيه عطاءات في العلم والمعرفة والتقنيات.
خرجت صرخة مجلجلة من امرأة مسلمة شهدت عدوان الروم واستكبارهم على المسلمين فصاحت: “وامعتصماه!”، فما كان من خليفة المسلمين آنذاك ومعه العالم الإسلامي إلا ان يتحرك من أجل وضع حد لهذا العدوان واستكبار الروم في الأرض.
يقول المؤرخ علي الصلابي “كانت هذه المعركة من أبرز المعارك الإسلامية البيزنطية، وكان الجيش العباسي يُقَاد شخصيًا من قبل الخليفة المعتصم بالله الذي حكم فيما بين (218 هـ – 227 هـ) الموافق (833 م – 842 م)، وكذلك كان الجيش البيزنطي بقيادة توفيل بن ميخائيل سليل الأسرة العمورية، وثاني أباطرتها المعروفين”.
ويورد الصلابي أن السبب الرئيسي لهذه المعركة هو رد كرامة امرأة عربية تدعى شراة العلوية، وبسبب هجوم الإمبراطور البيزنطي ثيوفيلوس على ثغري ملطية (في تركيا حاليًا) وزبطرة في العام السابق للمعركة وقيامه بتخريبهما وأسر الكثير من النساء، فساء هذا المعتصم، وقرر الأخذ بالثأر.
كما يورد أن المعتصم سار إلى عمورية في جحافل كثيرة عديدة، وخرج هو على رأس هذا الجيش متجهاً صوب عمورية مسقط رأس أسرة ثيوفيل عازماً على تدميرها، غادر الخليفة سامراء وهو على تعبئة، فعين أشناس التركي قائداً للمقدمة، وإيتاخ قائداً للميمنة، وجعفر بن دينار على الميسرة.
ويشير الباحث علاء أبو العينين حصار عمورية بدأ في 6 رمضان 223هـ = 1 أغسطس 838م، وكانت عمورية مدينة عظيمة جدًّا، ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة، وقد تحصَّن أهلها تحصُّنًا شديدًا، وملئوا أبراجها بالرجال والسلاح، ولكنَّ ذلك لم يَفُتَّ في عضد المسلمين.
ويسرد الصلابي أن الخليفة تقدم باتجاه عمورية بعد تدمير أنقرة، فوصلها في سبعة أيام، وشرع في حصارها، وعن هذا يقول الباحث علاء أبو العينين “ابتدأت المناوشات بتبادل قذف الحجارة ورمي السهام، فقُتل كثيرون، وكان يمكن أنْ يستمرَّ هذا الحصار مدة طويلة.
في النهاية وفق الصلابي استسلمت المدينة في (17) السابع عشر من شهر رمضان عام 223 هـ الموافق شهر غشت عام (838 م) بعد أسبوعين من الحصار، وفتح المسلمون المدينة وأسروا عدداً من الروم، وغنموا غنائم وفيرة، وهدم المعتصم أسوارها، وأمر، بالمقابل، بترميم زبطرة وتحصينها.
ودخل المعتصم وجنده مدينة عمورية، وتكاثر المسلمون في المدينة وهم يكبرون ويهلِّلون، وتفرَّقت الروم عن أماكنها، وهكذا فتح المسلمون مدينة عمورية، وأخذوا منها أموالاً كثيرة، وأسروا أعددًا من الروم افتُدِيَ بها أسرى المسلمين.