ذة مليكة شهيبي تكتب: أهل غزة وعلوُّ الهِمَّة
أحيانا نتعجب من المَقْدرات النفسية والكرامات الربانية التي يتحلى بها أهل غزة، رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، ونتساءل عن البواعث لهمّتهم العالية وليقينهم في النصر رغم عدم تكافئ كفتيّ المعركة بينهم وبين أسلحة الدمار الامريكية التي يحملها جيش الاحتلال “الاسرائيلي”. وإذا تأملنا هذه المقدرات النفسية وهذه البواعث لعلوّ همّتِهم، يمكن إرجاعُها إلى أربع محفزات:
- المحفز الأول: وجود قضية في حياتهم يؤمنون بها ومستعدون للتضحية من أجلها
فإذا رجعنا لتصريحات الرجال والنساء والأطفال بعد 7 أكتوبر، نجدهم يصرحّون أن ما يجري في غزة “يفوق قدرةَ البشر على التحمّل”، لكن وجودَ قضية في حياتهم منشغلين بها ويعيشون لأجلها هي التي تدفعهم لهذا الصبر والتحمل، وقال وائل الدحدوح الصحفي البطل، في بودكاست أجري معه مؤخرا أن: ’’ أهالي القطاع المُحاصر مصمِّمُون على الصبر والصمود بالرغم من كل ما يحدث لهم، بل ويَحرِصون على صناعة الحياة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا”.
- المحفز الثاني: الاعتزاز بهذه القضية والدفاع عنها بالغالي والنفيس
فنجد أهل غزة يُضحون بأبنائهم وأزواجهم وكلِّ عائلاتهم محتسبين ذلك لله سبحانه وتعالى، وقد رأينا صورا ومواقف في هذه الحرب تفوق الخيال، نعلم أن المعركة ليست وليدةَ 7 أكتوبر، بل لعقود من الزمن، لكنهم لازالوا صامدين ولم يثنهم ذلك عن المقاومة والجهاد، ولم يستطيلوا الطريق، بل ظلُّوا معتزين بقضيتهم ومُلهمين إياها لكل أحرار العالم. كما يقال: من استطال الطريق ضَعُف مشيُه، لكن صدق أهل غزة مع الله وإيمانهم بعدالة قضيتهم يُقصِّر لهم الطريق، ويُهوِّن عليهم الصعوبات، فيَقوى مَشْيُهم وتُرفع هِمَمُهم رغم الألم حد الموت.
- المحفز الثالث: اليقين في نصر الله سبحانه وتعالى
بالرغم مما عاشه ويعيشه أهل غزة منذ عقود من أحداث دامية إلا أنها لم تُفقدهم الأملَ للحظة واحدة في نصر الله، فقد خيبوا كل حسابات القوى المادية، التي تقيس الأمور والغلبة بمقاييس دنيوية صِرفة ، فلن يُدركوا أبداً نفسية المجاهد في غزة الذي يخرج للمعركة بعد تحصين نفسه بوضوئه وصلاته وقراءة ورده الصباحي، وكلّه يقين بنصر الله، دون استعجال للنصر أو يأس أو قنوط أو انهزامية وكل تصرفاته توحي بتبخيس أعتى الأسلحة الامريكية التي بيد الجندي الإسرائيلي.. إنها العقيدة في نصر الله، المحفِّز السحري واليقين الذي كان عند الصحابة عندما واجهوا المشركين من قريش في أرض المعركة يوم غزوة بدر.
- المحفز الرابع: طلبُ الجنة وجعلُها غاية َالغايات
فالمؤمن لا يَملأ قلبَه ولا يَقنع إلا ببلوغ الجنّة. فقد قيل لعبد الله بن مسعود: متى الراحة: قال: ليس للمؤمن راحةٌ دون لقاء الله. وقيل للإمام أحمد: متى يذوقُ العبدُ طعمَ الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة.’’ وهذا ديدن جلّ أهل غزة، كل شيء يهون عندهم مقابل طلب الجنّة.
هي محفزات لعلوّ الهمّة، وصدق الوجهة وسرّ الّنصر الذي لا يُدركها إلا من صَفت بصيرتُه وسَلمت سريرتُه.
الأستاذة مليكة شهيبي عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح