مفهوم الرزق في الإسلام

ما من إنسان على وجه الأرض مهما كانت عقيدته إلا وقضية الرزق تشغل بالَه في الليل والنهار، حينما تستمع إلى أحاديث الناس، فتجد أن جل أسئلتهم عن هذه القضية، يَخرج الإنسان من بيته في الصباح الباكر؛ لكي يوفر المال لنفسه وعياله.

ولقد حثنا ديننا الإسلامي على العمل في كثير من آيات القرآن الكريمن يقول تعالى :﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105]، ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

كما أن  الرسول – عليه السلام – وأصحابه الكرام، ومن سار على دربهم – قد شمروا عن ساعد الجد، وعملوا قدر استطاعتهم في خدمة دينهم وأُمتهم، حتى إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلةٌ، فليَغرسها)؛ أخرجه الإمام مسلم.

فهذا حث مباشر من الرسول الكريم على العمل مهما كان صعبا، وعلى الابتعاد عن مواطن الذُّل والسؤال، فالعمل شرف مهما كان متواضعا.

واختص الله سبحانه وتعالى بأمر الرزق وتيسيره، وجعله أحد المغيبات الخمس يقول تعالى: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) لقمان آية 33، فهو تعالى عليم بالخفايا خبير بدقائق الأمور، فمن ذا الذي يعلم ما سيكسب غدا وبأي أرض سيموت، وحده الله تعالى يعلم، فمهما جمعنا، ومهما كدسنا، فمادمنا لا نملك أجلنا بأيدينا، فأولى لنا أن نضع مصدر رزقنا وسببه لمن يملك أجلنا

إلا أن الكثير من الناس ينظرون إلى الرزق نظرة ضيقة قاصرة، فهم يتصورون أنه المال فحسب! كلا؛ قال ابن منظور في لسان العرب: الرزق هو ما تقوم به حياة كل كائن حي؛ ماديا كان، أو معنويا.

ورغم أن أكثرنا حدد الرزق في المظاهر الكمية والمادية من أراضي وأموال ومعامل ومتاجر وضيعات ووسائل تدر مدخولا ماديا وفيرا إلا أن القرآن خصه بخصائص عديدة وربطه بالسماء (وفي السماء رزقكم وما توعدون) ومن آياته تعالى إضافة إلى اختلاف الليل والنهار (وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) الجاثية آية 2.

فالغيث رزق لأنه يحيي الأشجار والنبات والحيوان ومن كل ذلك يكون رزق الإنسان، ومنحة الأولاد رزق، والهدى إلى الإسلام رزق، والعلم والمعرفة رزق، والأمن في العائلة والمجتمع رزق، وعافية في الصحة والبدن من تمام الرزق فلينظر أحدنا كل ما خصه الله من رزق ويشكره على ذلك آناء الليل وأطراف النهار.

وفي الحديث القدسي :”يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المِخيَط إذا أُدخل البحر”.

 ومن آيات ربِّنا – سبحانه – التي تُقرِّر هذه القاعدة قولُه – جل ذكره -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 – 58].

وهذا أصل مهم من أصول الإيمان أن يعلم الجميع أن رزق الله تعالى الذي قدره لا يَفوت العبد، بل لا بد من تحصيله، وقد قال في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (ما ترَكت شيئًا مما أمرَكم الله به إلا وقد أمرتُكم به، ولا شيئًا مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتُكم عنه، وإن الروح الأمين قد ألقى في رُوعي أنه لن تموت نفسٌ حتى تستوفي رزقَها).

فلو أن الناس عمِلوا بذلك وآمنوا به، لما كان هناك سرقة ولا نهب، ولا غصب ولا اختلاس، ولا تحايل على قضية الرزق، فما قَدر الله تعالى آت لا محالة، وما لم يُقدر، فلن يستطيعَه العبد ولو بذل في سبيل ذلك الدنيا وما فيها.

ومن خلال ما سبق، فالحقيقة الواجب اليقين بها أن الرزق بيد الله، ولا دخل للجهد والعقل في حيازته والحصول عليه.

فالله – سبحانه – متصرف في أرزاق العباد، يجعل من يشاء غنيا، كثير الرزق، ويقدر على آخرين، وله في ذلك حكم بالغة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا * وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 30 – 31].

ولو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق، لحملهم ذلك على البغي والطُّغيان من بعضهم على بعض؛ أشرا وبطرا، ثم قال: ﴿ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27]، وهذا كقوله: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].

والرزق يُبارك فيه بالطاعة، ويُمحق بالمعصية، فتذهب بركته وإن كان كثيرا ظاهرا؛ لأن ما عند الله تعالى لا يُنال إلا بطاعته؛ قال – سبحانه -: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

وقد ضرب الله الأمثال لذلك في القرآن؛ قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

ومنذ قديم الزمان إلى يوم الناس تتحقق الطمأنينة لأولئك الذين ينظرون إلى المال بأنهم مستخلفون فيه، فتراهم يتصدقون دون خشية الفقر والعيلة، لأنهم يعلمون أن مالهم من مال إلا ما أفنوه فانتفعوا به أو تصدقوا به فادخروه لآخرتهم، ولكن للأسف لا يزال الشيطان يمنينا بالبقاء والخلود ويدفعنا إلى البخل والشح والادخار للآتي، والجري للجمع بالوسائل المشروعة وغير المشروعة لما يسمى ب “دواير الزمان” و”محاين الزمان” وأية محنة تلك التي نرى فيها الإنسان في شغل لا ينتهي، وانغماس في الربا والرشاوى والغش والحرام بشكل عام دون استحضار لآخرة أو حساب.

فقد عاش أسلافنا طمأنينة وسعادة لاكتفائهم بالقليل واستعدوا به للرحيل فحيزت لهم التقوى وكانوا القدوة، وفتحوا البلدان ونصب أعينهم رزق الآخرة الأبقى.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى