مفكرون من مختلف أنحاء العالم يشتبكون مع أسئلة التحرر والاستقلال بعد عام من “طوفان الأقصى”
نشر موقع “الجزيرة.نت” في ملف له بمناسبة مرور عام على “طوفان الأقصى” وحرب الاحتلال على غزة وإبادة أهلها، مجموعة من الحوارات والمقابلات الخاصة التي أجرتها مع مفكرين ومثقفين وأدباء وكتاب وفنانين من شتى أنحاء العالم، تناولت فيها أسئلة الحرية والعدالة والاستقلال في الزمن الراهن.
دعم وتضييق
يكشف المفكر الفرنسي فرانسوا بورغا في مقابلة خاصة لـ”الجزيرة.نت” خوف الحكومات الغربية من استيراد الصراع العربي الإسرائيلي إلى بلدانها، مستنكرا منع فرنسا المظاهرات المؤيدة لفلسطين.
ويذهب المفكر وعالم السياسة الشهير الفرنسي أوليفييه روا إلى أن “إسرائيل” تعيش “جهلا مقدسا” إلى حد كبير، كما أنه ليس من قبيل الصدفة أن تحظى إسرائيل الآن بدعم متزايد من الإنجيليين الأميركيين، فما هي القواسم المشتركة بينهما؟ إنها إعادة بناء الدين خارج التقاليد الثقافية.
ويقول فرانتشيسكو بورغونوفو الكاتب والصحفي الإيطالي لـ”الجزيرة.نت” إن “تاريخ اليمين الإيطالي في أغلبه تاريخ مناصر للقضية الفلسطينية والانحياز لدولة إسرائيل طارئ، وهناك لحظة حدث فيها تقارب مع الولايات المتحدة الأميركية بدا أن كل شيء تغير معها”.
شرخ في الغرب
الكاتب الإيطالي دافيدي بيكاردو يعتبر أن “النقاش السياسي والإعلامي في إيطاليا ليس حرا عكس كل الادعاءات، وهو ما خلق شرخا بين النخب والشعب الإيطالي الذي يقف مع الفلسطينيين على الرغم من الانحياز الإعلامي الكامل لصالح إسرائيل”.
ويرى الكاتب السويدي يوران بورين أن الدعم الرسمي لإسرائيل كان قويا دائما، خاصة خلال حكومتي أولوف بالمه (1927-1986) وإينغفار كارلسون، وكان هناك أيضا كثير من التعاطف مع القضية الفلسطينية، ومنذ مطلع الألفية أصبح الدعم الرسمي السويدي لإسرائيل أقوى مرة أخرى.
ويؤكد الأكاديمي والمستعرب الإسباني إغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا أن “العدوان الجاري على غزة يشكل صدمة لكثير من الأوروبيين الذين لا يعرفون جيدا ما الذي أدى بالمنطقة إلى هذا الوضع الحرج جدا الذي ينبئ بنزاع إقليمي لا يمكن لأحد التنبؤ بعواقبه”، مضيفا “المواطن الأوروبي عموما متعاطف مع شعب غزة وما يعانيه من تجويع وتشريد وقصف ممنهج”.
واعتبر المفكر الأمريكي جوزيف أن “إسرائيل” تبنت أبشع صور الحضارة الغربية المتمثلة في عنصريتها واستعلائها وتحيزها للعنف ضد المدنيين. كما أنها أصبحت تضيق الخناق على الأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية بالجامعات الغربية.
نفاق دولي
ويرى الصحفي والكاتب الفرنسي آلان غريش أن “المجتمع الدولي -خاصة العالم الغربي- لا يفعل شيئا لوقف هذه المأساة التي تجري في غزة”، منتقدا “العالم الغربي الذي يدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير، لكنه يثبت الآن أنه عالم منافق يقدم سلسلة من الأكاذيب”.
ويرى المفكر العربي البارز البروفيسور وائل حلاق أن الأحداث التي بدأت بطوفان الأقصى توضح تجليات الأزمة الأخلاقية في الحداثة المتأخرة، وأن “الأحداث التي شهدناها في القرون الثلاثة الأخيرة تمثل الدليل الكامل على أن الحداثة الغربية منافقة وعنصرية حتى النخاع”.
إبادة جماعية
من جانبها، تؤكد الكاتبة الإيطالية رومانا روبيو أن “مَن يحق له تحديد شكل عمليات المقاومة ونوعها وتوقيتها هو حتما الشعب الذي يرزح تحت نير الاستعمار والاحتلال العسكري، والآن يتعرض للإبادة الصريحة، وليس تلك التي كانت تتم بالتقسيط فقط، بتعبير المؤرخ إيلان بابيه”.
وذهب أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة كولومبيا الأميركية جيفري ساكس إلى أن “تصرفات إسرائيل في قطاع غزة جرائم حرب”، وإن القصف المستمر والحصار الدائم قد يتسببان في سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء.
كفاح من أجل التحرر
وقالت المترجمة والأكاديمية البلغارية مايا تسينوفا إن “قضية فلسطين تدافع عن نفسها بنفسها، يكفي أن نعطيها الكلمة لتتحدث رغم أن العالم المعاصر يفضل أن يتناساها ويغض النظر عنها، وبهذه الطريقة جاء 7 أكتوبر ولم يكن بداية”.
ويقول الأكاديمي والكاتب الإيراني الأميركي حميد دباشي “لا يمكن اليوم لأي كفاح من أجل التحرر في أي مكان -في العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص- أن يكون مشروعا دون البدء أولا من فلسطين ومن الفلسطينيين كنقطة انطلاقه”.
وفي حديث مع “الجزيرة.نت” يؤكد المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية آفي شلايم أن الطريقة الوحيدة لفهم الحرب الإسرائيلية على غزة تتلخص في فهم السياق التاريخي، قبل أن يبين الأسباب التي تدفعه للاقتناع بأن هذه الحرب “لا معنى لها”.
وقال المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يخرج من هذه الحرب أضعف مما كان عليه، مشيرا إلى قلقه تجاه المجتمع الإسرائيلي اليهودي غير المستعد لتغيير موقفه تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني.
المقاومة انتصرت
وقال الفيلسوف والمفكر المغربي طه عبد الرحمن إن عملية “طوفان الأقصى” أظهرت أن المقاومة الفلسطينية انتصرت على عقل الاحتلال الإسرائيلي كما انتصرت على أخلاقه وأن “هزيمة العدو السياسية مجرد تابع لهزيمته العقلية وهزيمته الأخلاقية”، وذلك على خلاف ما ترسخ في الأذهان من أن المقاومة توجب أولا وقبل كل شيء إيقاع الهزيمة السياسية بالعدو.
وأكد عالم النفس والمفكر اللبناني الدكتور مصطفى حجازي أن من تجليات طوفان الأقصى أنه قلب المعادلات وغيّر قواعد اللعبة وأظهر حق الفلسطيني في الوجود من خلال إنجازات المقاومة المذهلة.
ويقول المفكر والأكاديمي التونسي أبو يعرب المرزوقي لإن أغلبية المثقفين العرب “أبعد الناس عن المقاومة”، معتبرا أنهم “لو كانوا حقا يؤمنون بالمقاومة التي تحقق تحرير الأوطان وتحرر الإنسان لما كانوا أكثر المحاربين للربيع وأكثر المدافعين عن التبعية الحضارية”.
ويرى المفكر الإسلامي المصري محمد سليم العوا أن نوافذ العالم العربي -ولا سيما شبابه- قد انفتحت على حقل المقاومة الذي تتجه ثماره كلها نحو استعادة الحق الفلسطيني السليب بعد 7 أكتوبر 2023.
عن موثع الجزيرة نت بتصرف