معيقات في الطريق إلى الله – بنداود رضواني
يقول إبن قيم الجوزية رحمه الله: ” أن الهمم العالية والمطالب السامية، وكيفية الوصول إليهما إنما يكون بالنية الصحيحة وبقطع العوائد والعلائق والعوائق “. كتاب الفوائد.
العوائد: غوائل.
أخي، احذر عوائد الأمور التي تحجبك عن الله، وتحول بينك وبين الدار الآخرة.
فالنفس تعشق العادات، وتضعف أمام المباحات، لذا فاحترس من الإغترار بهما، والإفراط فيهما.
ألا تعلم أنها فخاخ منصوبة من الشبهات، و مكائد مرصوصة من الشهوات والمحرمات؟
ألا تعلم أنها سبب في فناء أمم، و هلاك حضارات، وذهاب أفراد وجماعات.؟
حتى الدعوة إلى الله، فانتبه أن تصيرها روتينا وعادة، عوض أن تحيا بها قربة وعبادة.
ولقد علمت أن هلاك المرء يكون أول ما يكون، بإلف النعمة، وتعود الآلاء، لذا فواهم من ظن أن العطايا الإلهية حق مكتسب، وكسب مستحق. !!!
فالأولى بمن هذا ظنه، أن يلزم باب الحمد، و يؤدب نفسه بالشكر، لا أن يهيم في واد الرخاء، ويفنى في مادة العطاء، حتى تؤول الآلاء عنده سبيلا مطغيا، ورزقا منسيا، بل إلها من دون الله.
يقو ل إبن قيم الجوزية عن العوائد:” وهذه أعظم الحجب والموانع، بين العبد والنفوذ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم”.
يا أخي، إذا علمت العوائد، فاحذر العوائق….
فالطريق إلى الله، طريق طويلة وموحشة، وهي تقطع بالقلب لا بالقدم، بالجنان لا بالأبدان، طريق سار فيها المصطفون الأبرار، أفضل خلق الله على مر العصور والأزمان ، يقول إبن رجب رحمه الله ( فأفضل الناس من سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وخواص أصحابه في الاجتهاد في الأحوال القلبية في سفر الآخرة، إذ يقطع بسير القلوب لا بسير الأبدان )، كتاب ” رسالة المحجة في سير الدلجة “.
فالعوائد تمنعك من السير إلى الله، وتحبسك عن الوصول إلى مرضاته، نتيجة إلفك للعادات السفلية والرغبات الدنيئة…، و أما العوائق فمثبطات، وملهيات، ومشاغل، تشغل قلبك عن الله والدار الآخرة.
وعلى اختلاف مسمياتها، وتعدد صورها، فمرد هذه العوائق إلى أصلين: الشبهات والشهوات.
فانظر معي- حفظك الله – إلى انحرافات الناس ومخالفاتهم، وإلى غفلتهم وغرورهم، تراهم إما قد فتنوا ببريقهما الخادع – أي الشبهات والشهوات- ، أو سحبوا إليهما بسلاسل الغفلة والضعف…..
فكل شرك أو بدعة أو معصية، أصلها إما شبهة أو شهوة. والطريق إلى الله محفوف بصنوف الشهوات، وألوان الشبهات.
و إياك، ثم إياك و الإغترار بالعمل.
فهو من أخفى العوائق التي تترصدك، ومن أدق الحواجز التي تعيقك، فالأصل في العمل أن يكون عونا لك في سيرك، لا أن يكون شبيها قطاع الطرق.
فالمرجو حفظك الله، ألا ترى عملك…، بل عليك أن تدرك منة التوفيق الرباني التي تحيطك، وتبصر معها في الآن نفسه، قصور عملك، وعيوب نفسك. فمهما اتقيت وأصلحت، فلا تنس أن الضعف هو لباسك، و التفريط هو سمتك، فإن توهمت غير ذلك، فأنت جاهل بلوازم الزاد، وحقيقة الطريق التي أنت سائر فيها.
يا أخي، إلزم بباب التعلق بالله.
لأن أشد أنواع التيه، وأقبح أنواع الشرود والشذوذ، أن تغرق طموحاتك في مستنقع الأشياء التافهة، و يتعلق قلبك بالأعراض الزائلة.
فالعديد من حوادث الإصرار، وحالات الإمعان في التعلق بغير الله، – على الرغم من ترادف البعثات الرسالية والنبوية إلى العديد من الأمم والحضارات -، تجلي لنا النهاية البائسة، والمصير المأساوي، لمن آثر الأغيار، على محبة الله.
لقد كانت خاتمتها: ذل بعد عز، وهلاك بعد تنعم، و خراب بعد تشييد وعمران.
وها أنت اليوم تغفل عن هذه الحقائق، وتمعن – مرة أخرى – في التعلق بمن صفته الفقر، وحاله العوز.
فقد كذب – والله – من ادعى أنه ماض في طريق العبودية لله، وسائر على أثر النبوة، و قلبه معلق بغيره، حبا ورجاء، خوفا وطمعا، دعاء وطلبا….
فالعوالق قواطع…، أتدري لم ؟
لأنها تقطعك عن الهمم العالية، والمطالب السامية…،
ولأنها ران يحجزك عن الحكمة من وجودك، والسر في خلقك، والمصير الذي ينتظرك…!!!
أتعلم أن العوالق عذاب في الدنيا قبل الآخرة..!!!؟، وحسرات ما بعدها حسرات !!؟؟. يقول إبن القيم: ” كل من أحب شيئا غير الله عذب به ثلاث مرات في هذه الدار، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته، فإذا سلبه اشتد عذابه عليه، فهو ثلاثة أنواع من العذاب لهذه الدار “. كتاب زاد المعاد.
وإذا كان هذا هو حال ومآل من أحب غير الله، فما السبيل الى مغالبة هذا الحب ومدافعته ؟
إنه – يا اخي – عقار واحد لا ثاني له، مصدره القرآن الكريم، ومادته أنوار سيرة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، إنه عقار “محبة الله “. فهو العلاج الأوحد لداء محبة الأغيار، و مرض التعلق بما سواه سبحانه.
ولن يحصل الشفاء والبرء، إلا بمغالبة تعلق بتعلق،
وحب بحب.
لن تحصل عافية القلوب،إلا بمغالبة حب الله تعالى لحب الأغيار.
فحينئذ، وأنت في سيرك الى الله، و بعد إخلاصك له، والتوكل عليه، وتوفيقه لك، سيكتبك -بإذنه – في صحيفة أهل الهمم العالية، والمطالب السامية.
يقول إبن قيم الجوزية رحمه الله: ” أن الهمم العالية والمطالب السامية، وكيفية الوصول إليهما إنما يكون بالنية الصحيحة، وبقطع العوائد والعلائق والعوائق “.