مريم الأصم تكتب: وجاءت بشائر النصر بعد الصبر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛
وتحل جمعة النصر… إنها جمعة نصر وشكر ووفاء… ولقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال: “وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ” [البقرة: 177] وقال: “بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ”.
وإن رسولنا لنبي الرحمة والملحمة، سيد الأنبياء وإمام الأتقياء وأول الأوفياء…
أن يجعل للشهداء حضور دائم في وجدان الأمة
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ أحد يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأرض مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ[صحيح مسلم].
وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : (من جهَّزَ غازياً فقد غزا، ومن خلفَ غازياً في أهله فقد غزا).
وقال صلى الله عليه وسلم: “للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه” رواه الترمذي.
الاعتراف بفضل الشهداء وجميل صنعهم
قال ابن إسحاق: حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير قال: فلما دنوا من المدينة تلقاهم رسول الله والمسلمون، قال: ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله مقبل مع القوم على دابة فقال: “خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطونى ابن جعفر”. فأتى بعبد الله بن جعفر فحمله بين يديه.
قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا فرار أفررتم فى سبيل الله. قال: فيقول رسول الله : “ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله”. وكان عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (هنيئاً لك، أبوك يطير مع الملائكة في السماء).
تكريم أسر الشهداء وتذكير الأمّة بما قدّموا من تضحيات
روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يدخل بيتاً بالمدينة غير بيت أم سليم بنت ملحان، إلا على أزواجه، فقيل له فقال صلى الله عليه وسلم: (إني أرحمها؛ قُتِلَ أخوها معي).
وأخوها هو الصحابي الجليل حرام بن ملحان، الذي قال يوم بئر معونة: (فزتُ وربِّ الكعبة) لما طُعِن من ورائه، فطلعت الحربة من صدره رضي الله عنه.
تثبيت يقين أسر الشهداء وتبشيرهم
أُصِيبَ حَارِثَةُ يَومَ بَدْرٍ وهو غُلَامٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، قدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي، فإنْ يَكُ في الجَنَّةِ أصْبِرْ وأَحْتَسِبْ، وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى ما أصْنَعُ؟ فَقالَ: ويْحَكِ، أوَهَبِلْتِ، أوَجَنَّةٌ واحِدَةٌ هي؟ إنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وإنَّه لَفِي جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ*. رواه البخاري
تعزية أسر الشهداء والوقوف على حاجاتهم
فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من عزّى مصاباً فله مثل أجره) رواه الترمذي.
وعندما قتل جعفر ـ رضي الله عنه شهيداً في معركة مؤتة قال النبي -صلى الله عليه سلم- لأصحابه: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنه قد أتاهم أمر شغلهم).
وروي عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: (فما زالت السُّنَّة فينا حتى تركها من تركها) ، أي سنة إطعام الموتى و القتلى ومنهم أسر الشهداء؛ سُنَّةً متبعة حتى تركها من تركها.
ومن وفائه للشهداء قيامه صلى الله عليه وسلم بتفقدهم بعد انتهاء المعارك وإشرافه على تكفينهم ودفنهم… ذهب النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتهاء غزوة أحد يتفقّد أحوال الجرحى والشهداء، فرأى كثيرا من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم، منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر، وسعد بن الربيع، والأصيرم، وأنس بن النضر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. فلما رآهم صلى الله عليه وسلم، قال: (أشهد على هؤلاء، ما من مجروح جرح في الله عز وجل إلا بعثه الله يوم القيامة، وجرحه يدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، انظروا أكثرهم جمعا للقرآن، فقدموه أمامهم في القبر) رواه أحمد.
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئا (أي من عرض الدنيا)، منهم مصعب بن عمير، قُتِل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت (ظهرت) رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه شيئا من إذخر (حشيشة طيبة الرائحة)) رواه البخاري
العناية بأسر الشهداء وصيانة أعراض نسائهم
ففي البخاري ومسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- : (حرمةُ نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتِهم، وما مِن رجلٍ من القاعدين يَخْلُفُ رجلاً من المجاهدين في أهلِه فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟) وفي رواية لمسلم: (إلا وقف يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى).
زيارة أسر الشهداء وتفقّد أحوالهم ورحمة أبنائهم وصغارهم
عن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- زوج جعفر أنه لما قتل جعفر جاءها النبي صلى الله عليه سلم فقال: (ائتيني ببني جعفر، قالت: فأتيته بهم، فشمهم وذرفت عيناه).
ولما قتل جعفر -رضي الله عنه- في مؤتة كان -عليه الصلاة والسلام- وفيا لأهله وولده، أخبر عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاهم بعد مقتل أبيهم وأمر بهم فحلقوا ومازحهم، ودعا لهم ولأبيهم -رضي الله عنهم-، قال: فَجَاءَتْ أُمُّنَا فَذَكَرَتْ له يُتْمَنَا وَجَعَلَتْ تُفْرِحُ له، فقال -صلى الله عليه وسلم- : “الْعَيْلَةُ تَخَافِينَ عليهم وأنا وَلِيُّهُمْ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ” رواه أحمد.
المواظبة على زيارة قبور الشهداء والدعاء لهم
روي عن عائشة أنها قالت: “كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون». (صحيح مسلم)
ومن حديث طويل عن عائشة أيضاً، قالت: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فإن جبريل آتاني حين رأيت فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك… فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم…”. (شرح صحيح مسلم للنووي)
فالوفاء خلق نبينا صلى الله عليه وسلم في تعامله مع ربه وبيته وأصحابه وحتى مع أعدائه.. و ها نحن نرى اليوم والعالم أجمع أن شعب فلسطين وغزة كفى ووفى ودورنا الوفاء بما وفى به منبع الوفاء سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام …
رحم الله الشهداء وربط على قلوب أسرهم وجزى الله خيرا المقاومة والمرابطين رجالا ونساء وأطفالا….والى تمام النصر لا بد لنا من الرباط والصبر…
بقلم : مريم الأصم