مذبحة الفجر ومصداقية واشنطن.. إنهم يكذبون / شيروان الشميراني
لم تمر على البيان الثلاثي الذي أعلن عنه الوسيطين القطري والمصري مع الولايات المتحدة ست وثلاتين ساعة حتى ارتكب جيش الاحتلال مجرزة ” حي الدرج” في غزة في 10-آب-2024، جاءت المذبحة وسط نداءات دولية لوقف الحرب الظالمة على سكان غزة، وبعد ساعات من قرار نتنياهو ارسال الوفد المفاوض. والنتيجة هي أكثر من مئة شهيد وعشرات الجرحى، الطائرات قصفت والفلسطينيون يؤدون صلاة الفجر جماعة، كلهم من النازحين من المناطق الأخرى في غزة، قتلتهم الذخائر العسكرية الأمريكية في مدرسة التابعين عند التكبيرة الأولى” الله أكبر”، كأن الإحتلال ينازع الله في كبريائه، ولا يريد سوى مناداته أو مناداة حاميه الأمريكي.
من يشك لثانية واحدة في كذب أن دولة إسرائيل تريد وقف الحرب فعليه فحص مستوى فهمه للأحداث، ومن يصدق مزاعم نتنياهو في وقف الحرب عبر المفاوضات فعليه أن يتأكد بأن خلايا ذهنه تستوعب الامور على حقيقتها، ومن غير الاستشهاد بمذبحة الفجر، فإن إغتيال “إسماعيل هنية” رجل الدولة والسياسة والصلح هو إرادة إغتيال الجهود الباحثة عن وضح حدّ للجرائم المتتالية، لم يكن إستشهاد “هنية” مجرد تصفية قائد حماس وإنما تصفية للجهود خوفاً من أن تؤدي إلى نتيجة إيجابية من التي يجهد نتنياهو ورفاقه غلق كل نافذة تؤدي إليها.
إنهم يكذبون.. عندما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في 31آيار- مايو2024 ما قيل إنها مباديء لوقف الحرب، وعلى إثرها جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735، لم تتردد قيادة حماس على قبولهما، والعمل مع الوسطاء لتجسيدها على أرض الواقع في غزة، لكن ممثل الولايات المتحدة في مجلس الأمن خرج على الاعلام بأن الكرة الآن في ملعب حماس، على حماس أن تقبل بهذا القرار، لأن إسرائيل قبلته، في حين أن حماس سارعت وأعلنت أمام العالم قبولها وسكت نتنياهو فترة ثم أعلن أمام العالم إنه لن يوقف الحرب إلا بالانتصار الكامل و سحق حماس، لكن المسؤولين الأمريكيين كانوا يصرّون على أن إسرائيل قابلة وأن تصريحاتهم الرافضة هي فقط من أجل الضعط وليس رفضاً لقرار مجلس الأمن أو مباديء بايدن، مرت شهور وأثبت نتنياهو كذب الأمريكيين في تحميله قبول وقف الحرب، أعلن عن رفضه داخل مبنى الكونجرس وبإصرار إنه لن يوقف الحرب، وحاز على التأييد الأمريكي على مواقفه تلك، وأدخلت دولة الإحتلال قرار مجلس الامن في مسار طويل يضيق بمرور الوقت عبر وضع الشروط التعجيزية.
إنهم يكذبون.. ويتقبلون الاهانات التي يوجهها لهم نتنياهو دون إحترام. رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق والشخصية الدمقراطية المشهورة نانسي بيلوسي قالت لو كان نتنياهو جاداً كان عليه ان يخصص القليل من الوقت لوقف الحرب وإعادة الرهائن، كلامها الاستنكاري لتصفيقات الكونجرس له دليل إثبات على أنه لم يقبل بقرار مجلس الامن ولا بمباديء بايدن كما كان “أنطوني بلنكن” يدعي.
في وقت يطلب البيت الأبيض وقف الحرب ويشدّد على رفضه اغتيال هنية، كافأ القاتل بالإفراج عن 3,5 مليار دولار لإنفاقه على شراء الأسلحة الأمريكية، مال وسلاح، لم يمرّ على إذاعة الخبر سوى ساعات حتى كانت مذبحة الفجر، مذبحة التكبيرة الأولى، فهل هم صادقون في مزاعم وقف الحرب؟
في داخل الولايات المتحدة الأمريكية مؤسستان تتعامل معها دولة الاحتلال، الكونجرس والبيت الأبيض، ثبت خلال الفترة الماضية إن نتنياهو لا يأبه بمراضاة البيت الأبيض، فرئيس البيت الأبيض عاجز عن الضغط عليه، هو مجبر على تلبية كل طلبات السلاح لإستمرار الحرب، ما يهم نتنياهو هنا هو الكونجرس، والكونجرس يُصفِق خلفه وهو يمشي في طريق ارتكاب المجازر تنفيذاً لأمر الله بدعم إسرائيل كما يردد دوماً رئيس مجلس النواب الأمريكي.
أي إله هذا الذي يأمر بقتل الأطفال الرضع، والشيوخ الركع؟
إنهم يكذبون.. هدية نتنياهو لمجلس المفاوضات المنتظر في 15آب 2024 أرفقها مع الوفد المكلف لإثبات النيات وهي ثلاث رسائل داخل ثلاثة صواريخ غلفتها مذبحة الفجر، كل يقدم بين يديه ما يثبت نواياه، الرجل صريح وواضح، لا لوقف الحرب، ومدرسة التابعين هي الدليل تفضلوا بإستلامها، ولتبدأ المحادثات، محادثات وقف الحرب.
نتنياهو لا يأبه للإدارة الأمريكية، وأكثر منها لا يأبه للأوروبيين، الرئيس الأمريكي لو كان يريد وقف الحرب والدخول في عملية سلام تثبت فيها الحقوق لاستخدم صلاحياته التنفيذية لإجبار رئيس حكومة دولة الاحتلال على وقف الحرب، لكنه بدلاً من ذلك يرسل اليه الأموال والسلاح، والمال والسلاح ليسا سوى من أجل صرفه في الحاجيات، والحاجيات الراهنة هي الحرب ومتطلباتها.
كيف يمكن الجمع بين الوساطة لوقف الحرب وتغذية إستمرارها وتغطية الجرائم التي ترتكب وتوفير الحماية لمرتكبها؟ من القادر على إستخلاص المصداقية في مواقف متناقضة كهذه؟
إن الغاية الأمريكية الإسرائيلية هي واحدة، فكلتاهما تريدان شيئاً واحداً، لكن الأمريكيين أكثر مكراً، كلتاهما تريدان إنهاء حركة حماس بما يسمى باليوم التالي لهذه الحرب، توريط الدول العربية في وحل غزة، لكن الدول المعنية رافضة الإنجرار وراء هذا المخطط، لا تريد كنس مخلفات بايدن كما قال أيمن الصفدي وزير خارجية الأردن.
إنهم يكذبون.. لكن الوضع الآن مختلف، فبعد ذهاب رجل الصلح والسياسة، إنتقل التفاههم إلى الميدان، وغير بعيد أن تكون مجرزة الفجر من أجل إثارة غضب السنوار لوضع العائق أمام مسار المفاوضات بعد البيان الثلاثي، البيان الثلاثي لن يكون مصيره سوى مصير قرار مجلس الامن مالم تغير واشنطن موقفه تجاه تل أبيب.