د عز الدين توفيق يكتب: حادثة “ماحيا” سيدي علال التازي.. الفاجعة المؤلمة والمسؤولية المشتركة

جميع من رأى تلك العائلات متجمهرة أمام مستشفى القنيطرة؛ تترقّب “الناطق الرسمي باسم المستشفى” وهو ينقل إليهم حالات الوفاة الواحدة تلو الأخرى والتّجهم يعلو وجوههم وهم يجأرون إلى الله بالعويل والصّراخ. كل من رأى ذلك يعلم أن ما وقع كان فاجعة ومصيبة، لأن كل ضحية خلّفت وراءها أرملة وأيتاما.

وبما أنّ هذه الفاجعة ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبقتها فواجع مماثلة في شمال الوطن ووسطه وجنوبه؛

فقد حان الوقت لوقفة صادقة؛ نطرح فيها جميعا السؤال التّالي: ما الذي يتعيّن فعله حتى لا تتكرر هذه الحوادث في المستقبل؟

إن شرب الخمر ليس مسألة شخصية، فقد رأينا كيف يتداخل في شربها ما هو شخصي بما هو أسري بما هو اجتماعي، وبما هو عالمي إنساني. ولا أحد يجهل ما يتسبب فيه الخمر من حوادث السير وحوادث الشغل وجرائم القتل والاغتصاب والطلاق والسّطو والسّرقة والإصابة بالأمراض العقلية والنفسية والجسمية، وما ينشأ عنه من إدمان واستعباد …

إن ذلك كله يجعل شرب الخمر واستهلاكه قضية مجتمع، والمتأمل قولَه تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة 91) يرى هذا البعد الاجتماعي واضحا جليا.

إننا في المجتمع مثل ركاب سفينة يعنينا من يعمل على حمايتها ومن يسعى لإعطابها وتعريض ركابها للخطر.

فأول مسؤول عما وقع – في رأينا – هو هذا المستهلك الذي أقدم على شرب الخمر وهو في كامل وعيه وفي كامل إرادته، وإنما بدأنا به قبل غيره لأن الْإِنْسَانَ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ. وباستثناء بعض الحالات الخاصة التي يكون فيها الإنسان معذورا جاهلا أو مكرها؛ فإننا أمام تصرف اختياري يتحمل فيه صاحبه المسؤولية، وحتّى الشيطان (أصل كل شر في هذه الدّنيا) يتبرّا منه يوم القيامة؛ يقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ…} (إِبراهيم 22)

نعم لم يتوقع أحد من المصابين أن تلك الكأس ستنهي حياته، أو أنها ستسلبه نعمة البصر مدى الحياة أو أنها ستأخذه إلى المستشفى ليبقى ما بين الحياة والموت، ولكنهم يعلمون أنهم شربوا خمرا عواقبها غير مأمونة.

لقد أجرى أحد الصحفيين حوارا مع أحد الناجين اعترف بخطئه وأنه فعل شيئا لا يجوز وقال إننا في دولة إسلامية ولا يجب أن يكون فيها خمر أصلا.

إن هؤلاء الضحايا مثل شخص قرر أن ينتحر فشرب سما لكنه لم يمت فأتعب الناس من أجل إنقاذه، وكان بإمكانه أن يوفر الجهد والمال.

ونتساءل هل يوجد مغربي بالغ لا يعلم أن الخمر حرام؟ وهل يوجد أحد يجهل أضراره؟ إن تحريم الخمر من المعلوم في دين الإسلام بالضرورة؛ حتى إن المغاربة والمسلمين عامّة يُعرفون خارج بلادهم بأنهم لا يشربون الخمر ولا يأكلون الخنزير.

فهذا الذي بحث عن الخمر واشتراه وشربه مسؤول عمّا وقع له، لأن الله تعالى خلقه على فطرة سليمة تميل إلى الطيبات وتنفر من الخبائث.

وإن من تكريم الله تعالى لبني آدم أنه رزقهم الطيبات، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء 70)؛ إلا أن الإنسان يعمد إلى هذه الطيبات مثل العنب والتمر والتين والشعير فيصنع منها شرابا مسكرا مضرا بالصحة. ومن يرى ترنّح السكران وخروجه عن وعيه وتلفظه بما لا يليق؛ يعلم أن الله تعالى كرمه وهو يهين نفسه فكيف لا تكون الخمر حراما؟

والمسؤول الثاني عمّا وقع هم أولئك الذين يصنعون الخمر ويتاجرون فيها، لأنّهم يوفّرونها ويقربونها لمن يشربها؛ ولا يعفيهم من المسؤولية أن يقولوا نحن لا نكره أحدا على شراءها ولا شربها؛ فإن الله تعالى قال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة 2)

والمسؤول الثالث هو: “الإعلام” المغرض الذي يقوم بإشهارها ويزيّن للناس شربها ويهوّن من أضرارها ويُروّج أنّ القليل منها لا يضرّ، وأنّ الخمرة موجودة وهي واقع لا يرتفع وعلينا أن نتكيف مع هذا الواقع، ولا يمكن أن نكون استثناء بين الدول، وأنّ الخمر مسألة شخصية وأمثال هذه الآراء كثيرة.

إلاّ أن أشد هؤلاء خطرا هم الذين يشككون في تحريم الخمر؛ فيحرفون الكلم عن مواضعه ويريدون من الإسلام أن يجاري أهواءهم {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (المؤمنون 71). وقد عظمت البلية اليوم بهؤلاء الذين يجادلون في تحريم الخمر وتحريم الربا وفرضية الحجاب وغيرها من الأحكام؛ لأن شارب الخمر إذا لم يشك في تحريمها؛ فإنه قد يتوب ويرجع، أمّا إذا ظن أن ما فعله ليس حراما فإنه يتمادى ولا يرجع، ويزول عنه تأنيب الضمير. ولذلك فإنّ هؤلاء الذين يلبسون على الناس دينهم أعظم إثما ممن يشرب الخمر، لأن شربها أهون من استحلالها وهم يعلمون أنها محرّمة بالكتاب والسنة والإجماع وعمل المسلمين عبر العصور، وأن فعل المنكر أهون من الأمر به والدفاع عنه.

والمسؤول الرابع هو المجتمع بمختلف فئاته علماء ودعاة ومربين ومسؤولين، فالمدرسة والمسجد والأسرة والوزارات المعنية والسّلطات الأمنية والقضائية….. مسؤولة ولكل واحد دوره في الوقاية والعلاج.

فهل يمكن أن نطمح إلى مجتمع مغربي محصّن ضد هذه الفواجع؟ والجواب نعم إذا تحمّل كل واحد مسؤوليته، وفي الحديث النبوي «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…» صحيح البخاري؛ الجمعة؛ عبد الله بن عمر 

 الدكتور محمد عز الدين توفيق

عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى