محاسن الإنصاف – بنداود رضواني
لحت ببصري إلى الأمام، ثم ألقيت به يمنة ويسرة، لعلي أظفر بمواقف من التسامح بين الإخوة في الله، وبشواهد من خلق الإنصاف بين الدعاة إلى الله، خصوصا وقد نضجت عقول الكثير منهم، واستوى عودهم، لكن النفوس لا زالت مكبلة بسلاسل الحيف، محجوبة بستائر الجور عن استيعاب كلام الله وتدبره، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/8. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أروع مشاهد الإنصاف: ” يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله عز وجل، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم”رواه الإمام أحمد/14996.
إن أول خطيئة سجلها البيان الإلهي في تاريخ الإنسانية هي يوم قارن الشيطان بينه وبين آدم، (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِين )، الأعراف/12. فلم يكن لحظة الأمر بالسجود متصفا بالإنصاف ولا موسوما بالعدل، وإنما جار واعتدى، وظلم وغوى….نتيجة غله وتكبره، وحسده وحقده على آدم.
وحتى الراهن لا زالت تقف مثالب التكبر والعجب والفخر حاجزا بين المرء وتمثل محاسن الإنصاف، ومكارم الأخلاق.
إن بداية الإنصاف وقمته تكون أول الأمر مع الله سبحانه، هذا أمر أول، فلا إنصاف مع الخلق وعلاقة المرء بربه واهية، وصلته بخالقه غامضة.
فمن إنصاف العبد لربه، تخصيصه دون غيره بالعبادة والطلب، وتنزيهه عن الشريك والولد، والنهوض بالأوامر وجميع ما طلب… فمن أنصف ربه، أنصف خلقه لا محالة.
وأما ثانيا، فالله جل جلاله يتصف بالعدل والإنصاف، ويحب أهلهما والمتصفين به، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: “والله تعالى يحبُّ الإنصاف بل هو أفضل حلية تحلَّى بها الرَّجل، خصوصاً من نصب نفسه حكما بين الأقوال والمذاهب، وقد قال الله تعالى لرسوله: ( وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ )الشورى/15، فورثة الرسول منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل أحدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه، بل يكون الحق مطلوبه، يسير بسيره، وينزل بنزوله، يدين بدين العدل والإنصاف “، إعلام الموقعين3/ 94-95.
وللإمام الذهبي كلام نفيس في مساوئ عدم الإنصاف:
” ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفورا له، قمنا عليه وبدعناه، وهجرناه، لما تسلّم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة”، سير أعلام النبلاء”، 14/40