مبدأ الشورى في الإسلام
الشورى من أعظم مبادئ الحكم في الإسلام، وهي الطريق الواضح للوصول إلى الحق، أساسها استقراء آراء أهل العلم والمعرفة للأخذ بأصوبها، وتبادل الرأي والمشورة معهم، والاستعانة بأهل الخبرة لمعرفة حقائق الأمور، ومعناها ألا ينفرد الإنسان برأيه في الأمور التي تحتاج إلى عقول أخرى لتشاركه؛ فرأي الجماعة أدنى إلى إدراك الصواب من رأي الفرد.
والشورى صفة من صفات المؤمنين، ذكرها القرآن مقرونة بمجموعة من الصفات الأساسية للمؤمنين، وذلك في إحدى السور المكية، وهي سورة الشورى: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36] إلى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].، مما يدل على أهميتها وعظيم شأنها في بنيان المجتمع المسلم، ولتكون الشورى لبنة من لبناته، كما كانت سورة الشورى إحدى سور كتابه.
وقد دعانا الإسلام إلى الشورى في حياة الفرد والأسرة والمجتمع.
الشورى في حياة الفرد:
فمما حفظناه في تراثنا: “لا خابَ مَن استخار، ولا نَدِم مَن استشار”؛ فالمسلم إذا أَقدم على أمر من الأمور، وكان مترددا بين أن يُقدِم أو أن يُحجِم، فعليه أن يستخير الخالق بصلاة الاستخارة المعروفة، وأن يستشير الخلق ممن يثق بهم.
وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يستشير ويُستَشار في الأمور الخاصة، فقد استشار علي بن أبي طالب – كما هو معروف – في أزمة حديث الإفك.
وقد استشارتْه فاطمة بنت قيس في أمر زواجها، وقد طلبها رجلان: (معاوية، وأبو جهم)؛ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية، فصعلوكٌ لا مال له))، وأشار عليها بأن تتزوَّج من أسامة بن زيد.
الشورى في حياة الأسرة:
فالحياة الأسرية لا بد أن تقوم على أساس من التشاور والتراضي منذ بداية تكوينها؛ ولهذا يرفض الشرع أن يستبدَّ الأب بتزويج ابنته دون أن يأخذ برأيها، بل إن السنة رغَّبت في أن يستشير الأب زوجتَه في أمر زواج البنات؛ لأنها أقرب منه إليهن، فقد ورد في الحديث الذي رواه أحمد: (آمروا النساء في بناتهن)، وحتى بعد بناء الأسرة ينبغي أن يستمر التفاهم والتشاور بين الزوجين، وكم من امرأة كان رأيها خيرًا وبركة على أهلها، وقد سطَّر لنا التاريخ بأحرُف من نور مواقف أم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – في أول ساعات الوحي، وكم كان دورها عظيمًا في تثبيت قلب المصطفى – صلى الله عليه وسلم.
حتى لو قدر للزوجين أن ينفصلا لا بدَّ من أن يستمر التشاور فيما يتعلق برضاع الأولاد وفطامهم: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ [البقرة: 233].
الشورى في حياة الدولة:
فالشورى أصل هام في نظام الحكم، أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات الحياة.
وقد شاور النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابَه في بدر قبل القتال، وفي أثنائه وبعده، ولم يدخل المعركة إلا بعد أن اطمأن إلى رضا جمهورهم.
وشاورهم في الخندق، وأخذ برأي الأنصار في عدم مصالحة غطفان على شيء من ثمار المدينة.
وفي الحُدَيبية شاور أمَّ سلمة – رضي الله عنها – حينما امتنع الصحابة عن التحلُّل من إحرامهم، بعد أن عزَّ عليهم ألا يكملوا عمرتهم، فأشارتْ عليه أن يخرج إليهم، ويتحلَّل من إحرامه أمامهم دون أن يتكلم، فلما فعل ذلك اقتدوا به جميعًا – صلى الله عليه وسلم.
وفي أُحُد استشار النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابَه أيمكث في المدينة، أم يخرج لملاقاة العدو؟ وكان قلبه الموصول بالله يرى أنه من الأفضل أن يتحصن بالمدينة فلا يخرج منها، ولكن جماعة كبيرة من الصحابة – ومعظمهم من الشبان ممن فاتهم يومُ بدر – قد أشاروا عليه بالخروج، فنزل – صلى الله عليه وسلم – عن رأيه، وأخذ بالرأي السائد، ودخل بيت عائشة – رضي الله عنها – ولَبِس لأْمَتَه واستعدَّ للخروج.
ولكن لا بد لمن يكون من أهل الشورى أن يتصف بصفتين إضافة إلى الصفات الأساسية اللازمة، وهما: الأمانة، والنصيحة.
أمَّا الأمانة: فدل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ».
وأمَّا النصيحة: فدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
إن مبدأ الشورى الذي شرعه الإسلام يرسِّخ الحقَّ والعدلَ في المجتمع، ويضمن الحقوق لأهلها، ويحمي المجتمع من تسلط الأفراد وظلمهم، واستبداد الحكام وأَثرتهم، فيشترك في الرأي والمشورة وصنع القرار كل من يملك القدرة على إبداء الرأي، كما يبرز دور أهل الحل والعقد في الأمور الخاصة التي تحتاج مزيدا من المعرفة والنظر، والخبرة والاطلاع.
س.ز/ الإصلاح