ما الديمقراطية؟ – نورالدين قربال

هذا العنوان كتاب من تأليف آلان تورين، وترجمه عبود كاسوحة، صادر عن منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، بدمشق سنة 2000. والذي تضمن المحاور التالية:

الديمقراطية فكرة، وشكل طبيعي للتنظيم السياسي، والمظهر السياسي للحداثة. يشكل اقتصاد السوق شكلها الاقتصادي، والعلمنة تعبيرها الثقافي. رغم هذا فهي تثير القلق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاختيار الحر في إطار التعددية. لذلك ينتاب الضعف مجموعة من الدول الديمقراطية. مما يؤثر حتما على المساهمة السياسية والتمثيل السياسي. مما يتسبب في وهن المواطنة، حتى تصبح الديمقراطية مهددة بالاستبداد الفوقي أو بالفوضى التحتية. تجاوزا لهذا اقترح “نوربيرتو بوبيو” في كتابه “مستقبل الديمقراطية” ثلاثة أبعاد للديمقراطية: توفير الأنظمة الأساسية، عدد الأشخاص الذين يتخذون القرار الاستراتيجي، والواقعية.

إن الضغط المدني يؤثر على الحياة السياسية، ويمس سيادة الشعب، مما يتيح الفرص للبنية الخفية أن تنتعش من أجل المساهمة في هدم صرح الديمقراطية. إن المعركة الديمقراطية معركة وجود، لأنه يحمل الجميع مسؤولية النظام الاجتماعي، خاصة عندما يتحول الاختيار الديمقراطي إلى لعبة زائفة وأداة نفوذ للمصالح، ويتحول إلى آليات طغيان. كل هذا يحتم قفزات نوعية سياسيا واقتصاديا وثقافيا في إطار منظومة الحريات والحقوق. بذلك نحقق ديمقراطية تحررية. إن حرية الرأي والاجتماع والتنظيم أساسية بالنسبة للديمقراطية.

إن الديموقراطية مرتبطة بالفكر الذي يفكك مفهوم السلطة من خلال: حرية المأمور والحرية والذاكرة والعقل، ودمقرطة التنمية، وتحديد هوية السياسي.

الديمقراطية مطلب قانوني لأنه لا مؤسسة بدون تشريع، وآخر يعزز السيادة الشعبية، وحسن تدبير الأغلبية والأقلية، والمساواة السياسية. كل هذا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار: القدماء والمحدثين، من خلال ثلاثة أبعاد: الديمقراطية اختيار حر، والانتظام بين الحاكمين والمحكومين، والصفة التمثيلية. البعد الثاني ينصب على المجتمع الديمقراطي من خلال تموقع الدولة. البعد الثالث محدودية السلطة.

استنبط المؤلف ثلاثة أنماط للديمقراطية، لا يمكن ابتداء الحديث عن ديمقراطية مثالية، ويمكن إيجاز الأنماط فيما يلي:

1.تحديد السلط بواسطة القانون، والاعتراف بالحريات والحقوق الأساسية.

2.التركيز على التمثيلية الاجتماعية للحاكمين.

3.إن الديمقراطية هي نقيض السياسة الخالصة واستقلال العمل الداخلي للنظام السياسي من خلال: الفصل بين السلطات.

يميز بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية. من خلال العلاقة بين حقوق الإنسان والسيادة الشعبية، وبين الجمهوريين والديمقراطيين، والحكم الذاتي المزدوج للمنهج السياسي، وحدود الليبرالية. مستحضرا الصفة التمثيلية للفاعلين السياسيين، التي تشكل دوما أزمة سياسية. خاصة عندما يستشري الفساد.

كما اعتمد المواطنة في تحليله، لأن الديمقراطية تنتعش بتحمل المواطنين مسؤوليتهم. مميزا بينها وبين الطائفة لأن الدولة الطائفية ضد الدولة الديمقراطية. لذلك تجاوز البناء الديمقراطي الدول القومية. لأن الديمقراطية تبنى على الحرية والمساواة والإخاء. السؤال المطروح هل للديمقراطية روح؟

جوابا على هذا التساؤل برز التقابل بين فكرين: الجمهوري والليبرالي. كل هذا أعطى فرصة لطغيان الأغلبية والنفعية. في نفس الوقت وقع انفتاح في المجال العام من حيث تمثيل المصالح الشعبية، وتوسعت البنيات النقابية والحزبية، لدرجة تنتشر ظاهرة تجميع السلطة. تبرز أنداك الدولة الحامية، بذلك تضعف الديمقراطية. بعد ذلك يقع العد العكسي، وتنطلق الفكرة الديمقراطية من جديد. في أفق أن الديمقراطية ثقافة قبل أن تكون ممارسة.

الثقافة تجعل المؤسسات متناغمة لأن الرابط الفكري حاضر. آنذاك يبدو الصراع الخفي بين القيم والديمقراطية، كل هذا يساهم في تحولات على مستوى المنظور. من أهمها العلاقة بين العدالة والديمقراطية. أنداك حضر مصطلح الجمهورية في النقاش. ثم انطلق مسلسل إعادة تشكيل العالم. كيف ذلك؟

انطلق هذا التشكيل من خلال الاعتراف بالآخر، ومناشدة الوحدة بدل الاختلاف، والتوقان إلى الاندماج الديمقراطي، وتحضير البيئة الديمقراطية، عن طريق التربية على الديمقراطية. كل هذا جعل السياسة داعمة للديمقراطية. لكن ما حظ الحداثة من الديمقراطية أو العكس؟

جوابا على هذا السؤال طرحت الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسية، وإرادة الدولة والعقلانية الاقتصادية، التنمية الداخلية والتنمية الخارجية، كل هذه الثنائيات تفتح أحيانا أزمات وتسلط. لكن في نفس الوقت ينتعش الفكر الديمقراطي من خلال التعبئة الديمقراطية، باستحضار الذاكرة من جهة والتطلع من جهة ثانية. كما طرحت العلاقة بين الدين والديمقراطية، والثورة والديمقراطية، بهذا التدافع الفكري دخلت الديمقراطية في العولمة أو العالمية. لكن هذه العولمة ولدت ديمقراطيات بالوصاية، وطرح سؤال حدود الديمقراطية الاقتصادية.

نستنبط من خلال هذه القراءة المتواضعة أن ما قدم هو رؤية متعددة النظرات، لأن الديمقراطية تعاكس الديكتاتوريات والثورات، وتحتاج دائما إلى تطور فكري منفتح على كل الاجتهادات، تتطلع إلى الأفق دون إهمال الذاكرة، ولا ديمقراطية بدون مواطنة. حتى نضمن ديمقراطية مراقبة. بالنقد تنتعش الديمقراطية لأن هذه الأخيرة ثقافة قبل تنزيلها إجراءات ومؤسسات. من تم فالتفكير الديمقراطي متطور غير متوقف، خاصة على المستوى التربوي والإعلامي. هذا ما يؤسس للعقلنة السياسية عن طريق الإبداع.

إن التسويق السياسي المعقلن رهين بالتطور الديمقراطي، بناء على التسامح وتجاوز اللامبالاة والعدوانية والفضول. كما يؤكد على أن الفكرة الديمقراطية أصوات متعددة وتموقعها في قالب واحد يهدد جوهرها وعمقها. إن طريق المساواة والحرية طريق مفروش بالأشواك وليس بالورود، لأنها من الاحتياجات العميقة للأفراد والجماعات. من تم فالفكرة الديمقراطية التي لا تخضع للتمحيص والمناقشة تجعلنا نعيش في حكم بعيد عن الأخلاق السياسية العالية والبانية.

إن الوجود الديمقراطي مرتبط بالاعتراف بالآخر. الاعتراف بثقافته وأخلاقه، وبتجربته الجمالية، والحوار معه. إنها النظر إلى كافة الجهات، والإيمان بالتعددية، لأن الاعتراف ليس موقفا فقط وإنما هو تنظيم مؤسساتي اجتماعي. فالمجتمع الديمقراطي يتكون طبيعيا وتشريعيا. واليوم تعاني الديمقراطية من أعطاب كثيرة عندما تخلت عن جيل التأسيس والتحسيس وسقطت في نار التمكين غير السوي. لقد أطفئت الأنوار واغتيل العقل المدبر، وتفكك المجتمع السياسي والمدني، إذن كيف نواجه خارطة الأخطار التي تهدد الفكرة الديمقراطية؟ إنها الطوعية والإنسانية والنمو المعنوي والمادي، والتواصل الثقافي والفكري، وحماية كل ما تبقى من الحرية السياسية والديمقراطية، وتجديد الفكر الديمقراطي، والتلاقي غير الرأسمالي وبناء الاندماج في منظومة الاعتراف، واحترام قرارات المؤسسة حتى لا ننقض غزلنا. إنها تجربة إنسانية إما أن نطورها أو نغتالها وتلك هي الطامة الكبرى التي لا تبقي ولا تذر.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى