ماذا تريد إيران من إفريقيا؟ – نورالدين قربال
عندما وضعت إيران ‘الدرونات’ بشمال إفريقيا، صرح خبراء أمريكيون بأن هذا خيارا انتحاريا ناتجا عن تغيير تكتيكي يرمز إلى إعادة النظر في مصادر القوة الميدانية، والأبعاد الاستراتيجية لمواجهة المغرب. وبالتالي فهي تنسق بين جبهة الخزي والعار على تدريب البوليساريو وهذا ما تم توظيفه ضد العراق خلال فترة 80 إلى 88 لكن بشكل مبسط، ويستعمل هذا النوع الآن في الحرب الروسية الأكرانية.
وتستثمر إيران المؤسسات السياحية ومراكز الطاقة الحيوية، والمواقع العسكرية من أجل تمرير خططها الإرهابية. ومن أجل مواجهة هذه الطائرات يلزم ما يسمى حسب الخبراء بنظام القبة الحديدية. ولا يمكن الحصول عليها إلا بإيعاز أمريكي.
أمام هذا الخيار الإرهابي، قام المغرب بدور استراتيجي من خلال سياسة تحسيسية بهذه الخطة الإيرانية التي تستهدف بلبلة وخلخلة المؤسسات الإفريقية، خاصة وأن هذا النموذج من التسلح يهدف إلى تقوية العمليات الإرهابية بالقارة الإفريقية. وتعزيز الجماعات الموالية لإيران وتشجيع حرب العصابات.
وقد اعتمدت إيران في هذه الاستراتيجية على: البعد اللوجستيكي، والتقني والإيديولوجي. والسؤال الجوهري كيف تعامل المنتدى الدولي مع هذا الخطر الإيراني؟ وللإشارة فإن الجارة الجزائر الخصم التاريخي، قد فتح لإيران منطقة تندوف، والجنوب الغربي بالجزائر. إذن المغرب يدق ناقوس الخطر، ويذكر العالم كيف تعاملت إيران مع العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من الدول على مستوى القارة الإفريقية.
لكن المغرب عازم كل العزم على الرد في الوقت المناسب بالآليات المناسبة إذا استهدفت السيادة المغربية. وقد أكدت جبهة العار والخزي على دعم إيران لميليشياتها. إذن من يستهدف المنطقة ومنطقة الساحل؟ من يستهدف قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار سنة 1991؟
إن أي انحراف في المنطقة سيؤدي إلى حماقة كبيرة تنعكس على المنطقة أولا وأوربا ثانيا؟ هل يشعر الاتحاد الأوربي بهذا الخطرام أن بعض أطرافه مساهمة في ذلك؟ لأن المخطط الإيراني يستهدف الممرات البحرية، والبرية والجوية. كيف تعاملت إيران مع الجماعات المتطرفة بالسينغال ومالي وإثيوبيا، وقد شكل العامل الديني قاعدة أساسية في هذه التعبئة. ويعتبر البعد الإيديولوجي أخطر اختراق يمكن أن يؤجج الوضع، وقد نبهت الجامعة العربية إلى هذا الخطر في مؤتمرها الأخير.
وما دامت إيران لها مشاكل دولية فإنها تحاول بإيعاز من الجارة أن تبرز دورها الاستراتيجي في المعادلة الدولية. إن المغرب مستهدف بالدرجة الأولى من إيران. لأنه مستقر وآمن نتيجة التلاحم القوي بين الملك والشعب. ولكن إيران لا تتدخل مباشرة بل تستغل بؤر التوتر وتؤجج حرب العصابات بالقارة.
لقد أكد خبراء أمريكا على أن إيران تستهدف التغلغل بشمال إفريقيا كما تم لها ذلك بالشرق الأوسط. والحل هو تقوية التعاون الدولي التشاركي لرسم معالم استراتيجية للمواجهة. لكن هناك سؤال مهم: ما موقع الصين وروسيا من الفعل الإيراني اللتين تربطهما علاقات جيدة مع المغرب؟
إن إيران توظف الدبلوماسية الطاقية من أجل إسكات الغضب عليها، خاصة من قبل أوربا، التي تعاني من أزمة طاقية بعد الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. مما جعلها تخطط للانتقال من موقع الدعم الإيديولوجي للجماعات الانفصالية، إلى البحث على سياسة توطينية داخل شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. وتملأ الفراغات الدينية، بنشر أيديولوجياتها التي تتوسع شيئا فشيئا بالقارة الإفريقية.
وهذه مزاحمة للمغرب الذي له علاقة جيدة على المستوى الديني مع الدول الإفريقية الشقيقة، ويقود هذا المشروع جلالة الملك أمير المومنين حفظه الله، المبني على الوسطية والاعتدال والتعاون والتضامن. كما يساهم في التقليص من العنف والإرهاب والتجار بالبشر والهجرة بناء على جدلية الوضوح والطموح.
إن ما يمس الشمال الإفريقي، ينتشر في غرب إفريقيا خاصة على المستوى الإيديولوجي، وقد أكد مفكرون إيرانيون من أن العلاقة بين إيران وجبهة الخزي والعار انطلقت منذ الثورة الإيرانية 1979. ويوجد الحرس الثوري لإيران بمناطق إفريقية.
لقد تحفظ البعض من محاولة التسوية النووية بين إيران والولايات المتحدة، لأنها ستشجع الدولة الإيرانية على سياستها التوسعية بإفريقيا. مستثمرة البعدين العسكري والثقافي، وهو الأخطر. وهذا ما قامت به في الشرق الأوسط، وأمريكا الجنوبية. وإذا كانت إيران تنكر كل ما ذكر فبماذا تفسر نشر الطائرات المسيرة شمال إفريقيا؟ إنها تشكل تهديدا مباشرا للمغرب حسب وجهة نظر ‘لي ولين كينغ”.
إيران شريك حقيقي لإفريقيا، هذا ما أكد عليه الرئيس الإيراني أثناء زيارته لغينيا بيساو سنة 2021. متعهدا بمتابعة التنمية الشاملة للعلاقات مع البلدان الإفريقية، وهناك نادي تجار إيران-إفريقيا. والهدف من هذا الوجود، هو البعدين الاقتصادي والسياسي، وذلك بضم أصوات مناهضة لسياسة الغرب. لكن في العمق هو زعزعة الاستقرار وإحياء الصراعات الطائفية، ودعم الجماعات الانفصالية. ويمكن التأكيد على الاستثمار الطائفي. أما الدعم العسكري للأجنحة المتطرفة في إفريقية ففيه الأمثلة كثيرة.
لهذا كله ندد المغرب بما تقوم به إيران بإفريقيا سنة 2022. وتوسيع إيديولوجية الثورة. إذن هل ستتخلى إيران عن نزعتها الإيديولوجية وعلاقتها بالنشاط الثوري وخلق نزاعات عسكرية تهدد الأمن والاستقرار؟ حسب تقرير سياسة إيران الثورة تجاه إفريقيا فإن إيران كونت التبادلات الدبلوماسية، والسياسية والأمنية والبحرية والتجارية والثقافية، انطلاقا من المنفعة وتصدير الثورة، ومقاومة العقوبات والعزلة ببناء شراكات. لكن تسببت في الخلافات والانقسامات وانطلق هذا منذ ثورة 1979.
كما وظف هذا أثناء حربها مع العراق ما بين 1980 و1988. وللجزائر دور استراتيجي في هذا المجال. فقد كانت تمثل المصالح الإيرانية بالولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن، بعد توثر العلاقة بين أمريكا وإيران؟ وفي سنة 1992-1993 اتهمت الجزائرإيران بدعم مقاتلين جزائريين. وعادت العلاقة عادية سنة 1997. وفي 2007 ساءت العلاقة. إذن هل تعي الجزائر الدرس أم أن عداءها مع المغرب أنساها التعقل والحكمة؟ والمؤشر هو قيام علاقة صداقة بين برلمان إيران وبرلمان الجزائر سنة 2013.
إن إيران أثبتت بالملموس دعمها للجمهورية الوهمية، وذلك بتسليح البوليساريو، ونشر الإيديولوجية الإيرانية، وتمويل مؤسسات ترابية، واستخدام جوازات إيرانية لحضور أعضاء من البوليساريو لملتقيات دولية، والتي وفرت بسفارة إيران بالجزائر، كل هذا يغذي الفكر الطائفي.وانطلاقا من سنة التدافع والتعاون وقع استقبال بين الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني والجنرال دوكور دارمي المفتش العام للقوات المسلحة الملكية مع رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة كل على حدة تنفيذا للتعليمات الملكية السامية وقد أكد اللقاءان على المخرجات التالية:
- الصداقة والتعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية.
- تعزيز الشراكة العسكرية بين البلدين في مجال الدفاع 2020-2030.
- الإشادة بالحصيلة الإيجابية للجنة الاستشارية للدفاع.
- أهمية التمرين السنوي المشترك “الأسد الإفريقي”.
- التنويه بالاعتراف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المملكة الكاملة على صحرائها.
- الإشادة بالدور السامي لجلالة الملك القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية في مجال السلم والاستقرار لفائدة إفريقيا والشرق الأوسط.
- التأكيد على تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين.
فهل إيران قادرة لإحداث بيروسترويكا داخل بنياتها الداخلية والخارجية وتجاوز الأعمال الصبيانية التي لا تزيدها إلا تأزما داخليا وإبعادا خارجيا؟ وهل النظام الجزائري سيتوب في هذه الأيام المباركة ويعود إلى صوابه ويفتح باب التعاون والتضامن أم أنه سيتمادى في استعراض عضلاته التي هي أصلا نمور من ورق وتضييع الشعب الجزائري من حقوقه والتمادي في مواجهة المغرب الذي يفوقها في كل شيء؟