مؤسس موقع “ميدل إيست آي”: قوة العقيدة انتصرت على عقيدة القوة
أكد الكاتب والصحفي البريطاني دافيد هيرست أن لا أحد كان يتوقع أن تستمر الحرب على غزة بهذا القدر من الشراسة، وأن تستمر في القتال لفترة أطول مما كانت عليه عندما أقامت “إسرائيل دولتها” في عام 1984، مشيرا إلى أن جميع الحروب التي خاضتها “إسرائيل” منذ ذلك الحين كانت عروضا قصيرة من القوة المطلقة، جعلت غزة غير قابلة للسكن بعد تدمير أو إلحاق الأذى بأكثر من 70 في المائة من منازلها.
وأضاف مؤسس الموقع الإخباري “ميدل إيست آي” في حديث مصور يمكن وصفه بالتاريخي، أنه وبعد عام من استمرار العدوان في غزة ولبنان أيضا، لا أحد يرفع الراية البيضاء ولا توجد علامات على تمرد من سكان قطاع فقدوا أكثر من 41 ألف شخص مباشرة من القصف، ومن المحتمل أن يكون العدد ثلاثة أو أربعة أضعاف من القتلى، مشيرا إلى أنه رغم الجوع والأوبئة واقتراب مواجهة شتاء ثان في الخيام، لم يستسلم رغم تعرضه للقصف يوميا، بل لا أحد يفر أو يتجه نحو القوارب.
وأوضح الكاتب أنه منذ البداية كانت هناك استراتيجيتان واضحتان من الجانبين في هذه الحرب، استراتيجية رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بينامين نتنياهو واستراتيجية، ورئيس حركة حماس يحيى السنوار. لقد كان لدى نتنياهو أربعة أهداف معلنة بعد هجوم حماس : إعادة الرهائن، وتدمير المقاومة، وإنهاء البرنامج النووي الإيراني، وإعادة ترتيب المنطقة مع إسرائيل.
فبخصوص الهدف الأول، فقد كان – حسب دافيد- واضحا أنه لم يكن لدى نتنياهو أي نية لإعادة الرهائن إلى الوطن، لكنه أيضا فشل في تدمير حركة حماس، فلا تزل الحركة تسيطر على غزة، على الرغم من محاولتين لاستبدالها كحكومة، حيث تعود حماس للظهور كلما لم تكن القوات الإسرائيلية موجودة، ويظهر ضباط بملابس مدنية لحل النزاعات أو تنظيم المساعدات خلال بضع ساعات، في الوقت الذي يواصل الجيش “الإسرائيلي” القول بأن حماس ضعفت لكن تل أبيب تظل تفاجأ بالصواريخ التي تطلق من خان يونس، وهي المدينة التي احتلتها القوات “الإسرائيلية” مرتين ودمرتها .
أما الهدف الثاني -حسب المتحدث- يعتقد الجنرالات “الإسرائيليون” أنهم يستطيعون تعطيل حركة المقاومة عن طريق قتل قادتها، إلا أنه في الحالة اللبنانية، تعرضت قيادة حزب الله بالفعل لضربة قوية بفعل انقلاب استخباراتي سوري بدء بتفجير آلاف أجهزة بيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي وقد قتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، في ملجأ تحت الأرض بعمق 14 طابقا باستخدام 81 طن من المتفجرات، إلا أنه لا زال يقاتل الآن في جنوب لبنان، مضيفا أنه بعيد كل البعد عن أن يكون معطلا كقوة مقاتلة.
وكانت ثالث أهداف نتنياهو؛ إنهاء إيران كقوة نووية إقليمية، لكن الحقيقة هي أن إيران لم تكن أبدا مركزية للقضية الفلسطينية، فقد دخلت الصراع فقط بعد ثورتها عام 1978 وعلى مدى أكثر من 100 عام خاض الفلسطينيون معظمهم القتال بمفردهم، منوها أن التهديد الحقيقي “لإسرائيل” ليس من إيران، إنه من شاب فلسطيني في جنين أو حارس أمن رئاسي سابق في الخليل أو فلسطيني يحمل الجنسية “الإسرائيلية” في النقب، جميعهم توصلوا إلى استنتاجاتهم الفردية نتيجة الاحتلال الذي عايشوه، ولم يحتاجوا إلى أي تحريض من طهران.
وفيما يتعلق بالهدف الرابع؛ إعادة ترتيب المنطقة مع إسرائيل، أوضح الصحفي البريطاني، أن المسؤولين “الإسرائيليين” باتوا يحبون إطلاع الصحفيين على الكلمات الخاصة من الدعم التي تلقونها من القادة العرب الذين يُعرفونهم بالمعتدلين، “لكن انظروا مرة أخرى إلى ما قاله ولي العهد محمد بن سلمان مؤخرا لوزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن لمجلة اتلانتيك قال بن سلمان لبلينكن: هل أهتم شخصيا بالقضية الفلسطينية؟ لا لكن شعبي يهتم”، ونتيجة لذلك أصبح موقف السعودية أكثر صرامة، حيث أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستعترف “بإسرائيل” فقط بعد إقامة دولة فلسطينية.
وتحول دافيد هيرست للحديث عن الأهداف الإستراتيجية لقائد حركة حماس يحيى السنوار، فقد كان لديه هدفان استراتيجيان قبل هجوم السابع من أكتوبر، في خطاب واحد، قال “إن الاحتلال يجب أن يصبح أكثر تكلفة على إسرائيل”، وفي خطاب آخر قال السنوار “إن الفلسطينيين يجب أن يقدموا لإسرائيل خيارا واضحا لإجبارها على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، التي تحتلها أو عزلها عن المنطقة والمجتمع الدولي”.
وهنا أوضح هيرست، أن حماس جعلت الاحتلال أكثر تكلفة منذ بداية الحرب، فقد قتل 1664 إسرائيلي من بينهم 706 جنود و17809 جريح، وتأثر الاقتصاد، حيث قد بدأت الأموال في مغادرة البلاد، (2 مليار دولار خرجت من البنوك الإسرائيلية من مايو إلى يونيو من هذا العام)، لكن الضربة الأشد حدة التي وجهتها حماس لإسرائيل كانت نفسية، فالانهيار المفاجئ والكامل للجيش “الإسرائيلي” قبل عام كان بمثابة صدمة لم تتعافى منها “إسرائيل” بعد ، حيث شكل هذا تحديا أساسيا لقدرة الدولة على الدفاع عن مواطنيها.
وأضاف، أنه منذ بداية الحرب تم إخلاء حوالي 142 ألف شخص من منازلهم وتم إصدار تنبيهات في ما يقرب من ألف مجتمع مما أجبر “الإسرائيليين” على الركض إلى ملاجئهم حوالي 15 ألف مرة، وأصبح انعدام الأمن نمط حياة دائم، إلا أنه وحسب المتحدث فإن التأثير الأكبر لهجوم حماس كان على القضية الفلسطينية نفسها.
ففي 6 أكتوبر كانت القضية الفلسطينية في حالة موت، بعد أكثر من 30 سنة من اتفاقية أوسلو كانت غزة معزولة وكان حصارها دائم ولم يبدو أن أحدا يهتم، عم نتنياهو النصر وهو يلوح بخريطة في الأمم المتحدة حيث لم يكن هناك وجود للغرب، كان هناك بند واحد فقط على جدول الأعمال وهو التطبيع الوشيك للسعودية مع إسرائيل تحت أشد القيادات تطرفا في تاريخها، تم التخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام، كما تم التخلي عن سياسة الفصل من خلال الاستيلاء على الأراضي، لقد كانت “إسرائيل” على حافة النصر.
وبعد السابع من أكتوبر أصبح الدعم للمقاومة المسلحة في أعلى مستوياته في الضفة الغربية، فقد اعتبر المتحدث أنه إذا كانت أوسلو نجحت في إنتاج دولة فلسطينية في غضون خمس سنوات من توقيعها لما كان هناك حركة مثل حماس، مشيرا إلى أن أوسلو لم تفشل فقط في تحقيق دولة فلسطينية بل خلقت الظروف “لإسرائيل” للتوسع والازدهار كما لم يحدث من قبل في الضفة الغربية، وكان هذا العامل الأكبر في إقناع جيل جديد من الشباب الفلسطيني ببيع ضرائبهم ومتاجرهم مقابل الأسلحة .
وانتقل هيرست للحديث عن الوضع إقليميا، حيث اعتبر أن رد إسرائيل على السابع من أكتوبر انعكس على عقود من الجهود لإقناع دول الخليج بأن فلسطين لم تعد تستطيع استخدام حق النقض في العلاقات الإسرائيلية العربية، والذي أصبح أقوى من ذي قبل، فعلى الصعيد العالمي أصبحت فلسطين القضية رقم واحد لحقوق الإنسان في العالم، وتتصدر جدول أعمال في الجهود المبذولة لضمان العدالة الدولية مع استمرار القضايا في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي، كما أثارت أكبر حركة احتجاجية في تاريخ المملكة المتحدة الحديثة، معتبرا أن أجندة السنوار حصلت بالفعل على زخم لا يمكن وقفه .
وأكد الصحفي البريطاني، أن نتنياهو والجيش يعتقدون أنه بإمكانهم احتلال شمال غزة وجنوب لبنان، وقد يكون ضم معظم الضفة الغربية هو التالي لكنهم لن يستطيعوا إنهاء ما بدأوه، أي العودة بالأراضي التي استولوا عليها إلى السلام، لأنها ستكون خطوة بعيدة كما كانت بالنسبة لأرييل شارون الذي أجبر على الانسحاب من غزة، أو ايهود باراك الذي أنهى الاحتلال في لبنان.
وعلى المستوى الدولي، يرى الكاتب أن “إسرائيل” أصبحت أكثر عزلة من أي وقت مضى في تاريخها، بل جعلتها هذه الحرب تفقد صورتها الليبرالية الصهيونية، صورة الطفل الجديد في الحي وهو يحاول الدفاع عن نفسه وقد تم استبدالها بصورة عملاق إقليمي بلا بوصلة أخلاقية “.
وتساءل الكتاب في ختام كلمته عمن سيفوز في الحرب؟ وأجاب بالقول: سيتوقف ذلك على عمق الصمود الفلسطيني “وسأكون مندهشا إذا لم يكن هناك من قال لقد تعبنا نريد أن نتوقف”، مشيرا أنه بعد بعد مرور عام روح المقاومة عالية ومازالت تتزايد، كما أن معادلة القوة في الشرق الأوسط تغيرت ولكن ليس لمصلحة إسرائيل أو أمريكا.