“لنجعل الجمعة أولوية لا خيارا”
حان الوقت لاحترام وقت صلاة الجمعة ورفع معاناة تلاميذ وأساتذة التعليم الخصوصي معها؟

لقد جعل الله تعالى للمسلمين يوماً عظيماً من أيام الأسبوع، سماه النبي ﷺ عيداً يجتمع فيه الناس عند النداء لصلاة الجمعة، ينصتون للذكر، ويؤدون الفريضة ثم ينصرفون وقد تزودوا بزاد روحي متجدد. قال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِنْ يَّوْمِ اِ۬لْجُمُعَةِ فَاسْعَوِاْ اِلَيٰ ذِكْرِ اِ۬للَّهِ وَذَرُواْ اُ۬لْبَيْعَۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمُۥٓ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَۖ فَإِذَا قُضِيَتِ اِ۬لصَّلَوٰةُ فَانتَشِرُواْ فِے اِ۬لَارْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اِ۬للَّهِ وَاذْكُرُواْ اُ۬للَّهَ كَثِيراٗ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَۖ ﴾ [الجمعة: 9 – 10].
وقد شددت السنة على وجوب شهود الجمعة على الرجال المكلّفين، وجاء الوعيد في حق من يتهاون بها: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين». وكان المسلمون الأوائل يتهيأون لها بالغسل والتطيب والتبكير، حتى لا يشغلهم عنها شاغل. فهي ليست عملاً ثانوياً، بل من أعمدة التدين الجماعي التي تحفظ صلة الفرد بربه وبجماعة المسلمين.
ومقصد الجمعة هو التذكّر وسماع الخطبة، وقد أحاطها الشرع بآداب تضمن حسن الاستفادة: ترك اللغو، اجتناب تخطي الرقاب، والتهيؤ بالنظافة والسكينة. ومن هنا تتأكد الحاجة إلى وعي مجتمعي يجعل أداء الجمعة أولوية فوق أي التزام آخر، وإلى تهيئة الظروف التي تعين الموظف والطالب والعامل على الاستجابة للنداء.
ومن محاسن التشريع في بلدنا أن القوانين تخوّل للموظفين والعمال حضور الجمعة، وأن المؤسسات العمومية والمدارس الحكومية تراعي هذا الواجب. غير أنّ بعض مؤسسات التعليم الخصوصي وبعض المعامل ما تزال تضيق على مرتفقيها، فتفرض الدراسة أو العمل في وقت الصلاة، فيُحرم التلاميذ والأساتذة والعمال من هذه الشعيرة. وهذا منكر يجب تغييره، وظلم ينبغي رفعه.
وقد عاينت بنفسي قلة من التلاميذ في خطبة الجمعة بسبب مواقيت دراستهم، وهو أمر يُنذر بأن ينشأ بعض الناشئة وهم لا يعرفون للجمعة حضوراً ولا خطبة. ومن هنا وجب أن تتحمل كل جهة مسؤوليتها:
- الأساتذة والمفتّشون برفض الجداول التي تصادف وقت الجمعة.
- جمعيات الآباء بالمطالبة بحق أبنائهم في أداء الفريضة.
- مدراء المؤسسات الخصوصية بوضع برامج مرنة، كتوقيف الدراسة منتصف الجمعة واستئنافها بعد الصلاة، أو اعتماد عطلة نصف يوم الجمعة عوض الأربعاء.
- المؤسسات التي تتوفر على فضاءات واسعة يمكنها تجهيز مسجد تقام فيه الجمعة بإشراف الأوقاف، كما تفعل بعض الجامعات.
إنه لا يليق بدولة ينص دستورها على إسلاميتها، ويرأسها أمير المؤمنين، أن يُحرم بعض المواطنين من حضور الجمعة بسبب سوء تدبير أو تقصير. فالحضور ليس عبئاً على العمل أو الدراسة، بل هو بركة لهما معاً؛ إذ يعود المرء بعد الصلاة بنفس مطمئنة وعزيمة أقوى.
فلنحرص جميعاً على تعظيم شعيرة الجمعة، وأن نجعلها محطة روحية جامعة، نخرج منها بقلوب أنقى وهمم أعلى. وبذلك نؤدي حق الأمانة ونفي لشعائر الله ما تستحق من توقير.
والحمد لله رب العالمين.
بقلم د. الحسين الموس