لماذا الثقافة؟ – نورالدين قربال

ألف “مايكل كاريذرس” كتابا قيما تحت عنوان “لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة؟ وترجمه إلى العربية “شوقي جلال” ونشر في عالم المعرفة العدد 229. والسؤال الجوهري في هذا الكتاب هو لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة؟ إجابة على هذا السؤال اعتمد علم الانثروبولوجيا، لأنه هو الأصل في فهم التنوع الاجتماعي والثقافي. كما يعيننا من أجل رسم معالم التعامل مع هذا التنوع. لذلك نقب في البحث عن تنوع الثقافات وسبل حياة البشر. كل هذا يحتم على علم الأنثروبولوجيا أن يسلك سبيل التمازج، مع الفهم المشترك في حياتنا اليومية. خاصة وأن علم الأنثروبولوجيا علم فهم، سواء على مستوى علاج الأمراض أو تيسير المقدمات الأولى.
من أهم الفصول التي تناولها إشكالية السؤال، منطلقا من سؤال سقراط: كيف ينبغي للمرء أن يحيا؟ هذا ما يحتم علينا التأمل في الأنفس. لأنه بدون هذا لا نستحق العيش في الحياة. الهدف من هذا التأمل هو تغيير ما بالأنفس. السؤال الثاني: كيف نحيا معا؟ هنا يطرح سؤال: من نحن؟ هذا يقتضي تأملا في حياتنا المشتركة، والمتبادلة اجتماعيا. خاصة أن البشر ينتجون مجتمعا ذا أشكال عديدة. لأن المشكلة المحورية انثروبولوجيا هي تنوع الحياة الاجتماعية للبشر.
إذن ما العمل؟ والسؤال هلنقرأ نفوس الآخرين بنفوسنا وذواتنا أم بشيء آخر؟ هل هناك سمات مشتركة بين الجميع؟ إننا أمام عقدة متشابكة. بداية الحل مرتبطة بالتسليم بالتباين، إذن هل يمكن أن نوحد التباين أم أننا نتعامل مع كل حالة بما يلائمها؟
استنبط بأن الحياة البشرية متحورة، أي متحولة دائما، تتجاوز المقتضيات المحدودة التي يفرضها الانتخاب الطبيعي بلغة المؤلف. بعد طرح هذه الأسئلة تناسلت مجموعة من المحاور نوجز بعضها فيما يلي: بداية التاريخ، تحليل الروح الاجتماعية، قراءة الأفكار وقراءة الحياة، والتحول..
إن هذا الكتاب دراسة منهجية في مجال الأنثروبولوجيا والثقافة الاجتماعية حسب تعليقات الكتاب. إنه المنهج التفكيكي ما بعد الحداثة، والسؤال الجوهري لماذا الإنتاج الثقافي؟ هل هناك وحدة إنسانية بعد هذه الثقافة؟ كيف يمكن فهم هذا الزخم الثقافي؟ إن المؤلف يشترط التفاعل بين كل الإنتاجات البشرية التي لها أولوية على التقدم التقني.
نظرا لأهمية هذا المؤلف تفاعل المترجم شوقي جلال عندما خلص إلى النتائج التالية:
- تطوير الحياة مرتبط بفهم الأنفس وتأمل الحياة وإدراك معنى المجتمع.
- آليات الفهم قائمة على التكافل والتفاعل والتضامن المشترك أو المتبادل.
- تنوع الثقافات بوصفها ضرورة اجتماعية تاريخية أساس للتسامح وتعزيز للتطور الاجتماعي.
- طرح الأسئلة مدخل استراتيجي لتطوير الفكر النقدي.
- التأمل في الحياة باعتبارها فعالية إنسانية، التي تشكل عين التاريخ، شرط الوجودية.
- الفاعلية والتفاعلية المبنية على التعدد والتنوع والتجديد والابتكار والإرادة.
- كلما تغيرت أشكال الحياة تغير الفهم لها، إنها وحدة مع الاختلاف، والتنوع لا يعني التنافر.
- إن جدلية الفكر والعقل وفهم الواقع ضرورة لفهم الحياة والمجتمع والأنفس.
نخلص من كل ما سبق أن ما يؤسس له الكاتب قائم على النزعة التبادلية، لأن البشرية قوة عاقلة مبدعة وقابلة للتعلم، ذوو تاريخ يتفاعل دوما مع المجتمع، رغم كل هذا فالسؤال والجواب أكثر صعوبة. لكن إن النتائج الأخلاقية وكذلك العملية لتصورنا لأنفسنا يمكن أن تكون نتائج مفيد للغاية. إن للإنسان القدرة على إبداع أشكال للحياة الاجتماعية والحفاظ عليها وتغييرها. لا بد من الاجتهاد لاستكشاف دلالات الروح الاجتماعية. لأن علم الأنثروبولوجيا هو فكرة محدودة لا تتجاوز هامشا تفسيريا للروح الاجتماعية. أي تخيل قصص الآخرين الذين لم يكن للمرء في البداية رابطة معهم يمكن تخيلها.
إن البشر يعملون وفقا لبرنامج تحدده الثقافة. مما يساهم في بناء الشبكة الاجتماعية، قد يجد المرء في الانفعالات والمواقف حافزا للحركة، ولكن غير كافية مما يحتم استحضار البعد الروائي طارحا الأسئلة التالية: ماذا حدث؟ لماذا حدث؟ وماذا حدث بعد ذلك؟ فالعنصر القصصي يستوعب الإرادة والنزوع والخلق والمعرفة والعاطفة. أخيرا وليس آخرا ينص المؤلف على عنصر الثقة مما يؤهلنا لفتح أنفسنا لوجهات نظر الآخرين وخبراتهم. هذا من باب التعليم العام مما يساعد على إنجاز حياة ناجحة.