لجنة العمل الطفولي والشبابي للحركة بإقليم البرنوصي سيدي مومن تنظم دورة تربوية شبابية
نظمت لجنة العمل الطفولي والشبابي للحركة بإقليم البرنوصي سيدي مومن يوم الخميس 28 مارس 2024 بالمقر الجهوي لحركة التوحيد والإصلاح بعين السبع، دورة إيمانية شبابية بنفحات شهر رمضان شهر الخيرات.
وبعد الافتتاح بالقرآن الكريم من طرف الطالبة أمينة بن ساسي ألقى مسؤول اللجنة على مستوى الإقليم كلمة ذكّر فيها بالسياق التي تنظم فيه هذه الدورة، ورحب بالشباب والأطفال المستفيدين منها.
وقدم بعدها الأخ حسام الشعابي كلمة توجيهية والتي جاءت عبارة عن قراءة في حديث: “عن جندب بن عبد الله، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانًا.” (رواه ابن ماجه).
وقد قدم مسؤول الدعوة والعمل الثقافي بالمكتب التنفيذي لجهة الوسط الأستاذ محمد حقي، الدرس المركزي للدورة الإيمانية بعنوان: “دور القرآن الكريم في التربية الإيمانية للشباب” بين فيه كيف يربي القرآن القلب تربية إيمانية و أن الاقتناع العقلي هو المنطلق الأساسي للسلوك، مع الحاجة إلى رضا قلبي لتنطلق به الجوارح بالأفعال المؤيدة لما في العقل من أفكار، فالعقل مهما كان وضعه إلا أنه في النهاية ما هو إلا جندي من جنود القلب، فالقلب هو الملك، وما من عمل تقوم به الجوارح إلا ويمر من خلال القلب ويأخذ موافقته ورضاه عليه، كما قال تعالى : ﴿وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: 113].
فالسلوك يبدأ – كما توضح الآية – بإصغاء من القلب لصوت العقل ثم رضا بذلك لتكون النتيجة اقتراف الفعل، وهذا ما يؤكده كذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَ﴾ [التحريم: 4]، أي: أنصتت قلوبكما لصوت العقل وارتضته فكانت التوبة.
ويؤكد حقي أن الاقتناع العقلي هو نقطة البداية التي لابد أن يتبعها إصغاء من القلب ثم رضا منه بمقتضياته.. ولكن قد يقتنع العقل بقضية من القضايا لكن القلب لا يستطيع أن يتخذ القرار بتنفيذ مقتضى هذا الاقتناع لغلبة سلطان النفس وهواها وسيطرتها عليه، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [القصص: 50].
ثم بعد ذلك عرّف المتحدث الهوى وما مدى علاقته بالقلب وذلك بمجموعة من المشاعر والعواطف داخل الإنسان من حب وكُرْه، وفرح وخوف ورجاء، والقلب كما نعلم هو الملك على سائر الأعضاء كما في الحديث: “.. ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” هذا القلب يتجاذبه طرفان: إيمان وهوى: أما الإيمان فهو تصديق القلب لحقائق العقل، أو بمعنى آخر: اتجاه المشاعر لما قرره العقل من حقائق، فالإيمان محله القلب كما قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14]. والإيمان مشاعر كما في الحديث: “ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان ن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”.
وأما الهوى: فهو اتجاه المشاعر لما تميل إليه النفس من شهوات حسية كانت أو معنوية، وعلى قدر قوة أحد الطرفين – الإيمان أو الهوى – تكون له الغلبة على إرادة القلب، ومن ثَمَّ يكون من نصيبه الأمر الصادر من القلب إلي للجوارح.
ففي الحديث: “لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن” فلحظات الزنى أو السرقة أو القتل عكست انتصار الهوى على الإيمان، وقوة سيطرته على المشاعر.
إذن فعندما نرى سلوكا معوجا من شخص ما: كمن بدأ يتهاون في أداء الصلاة، أو من يطلق بصره إلى المحرمات، فإن هذا يعكس قوة سلطان الهوى على مشاعره، ومن ثَمَّ فإن الطريقة الصحيحة لتقويمه ليست بإنكار أفعاله فقط، فهو يعلم جيدًا خطأ ما يفعل، وإنما تكون بالعمل على زيادة الإيمان في قلبه ليصبح هو الدافع للأعمال. وهذا ما نلحظه في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. وفي الدعاء: “اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك”.
ثم بيّن حقي معنى مرض القلب: أي عدم صحته، أو بعبارة أخري: اتجاه مشاعره نحو الهوى حتى يسيطر عليه، وبقدر هذه السيطرة يكون المرض، وعندما تتجه المشاعر كلها للهوى يتمكن المرض من القلب وتنتفي عنه الصحة، ويصبح داعي الهوى هو الآمر الناهي المطاع، كما صور ذلك القرآن في قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان: 43].
وصور اتباع الهوى كثيرة، وتشمل كل ما تميل إليه النفس، ويجمعها قاعدة واحدة تنطلق منها وهي: حب الدنيا.
فمن تلك الصور: اتباع الشهوات، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59].
ومنها: طلب العلو في الأرض: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14]. ومنها كذلك: الخوف على الرزق والحياة. قال تعالى: ﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ [القصص: 57].
وفي المقابل فإن عودة القلب إلى صحته تعني: تخلص مشاعره من سيطرة الهوى واتجاهها إلي الله عز وجل، قال صلي الله عليه وسلم: “من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان”.
وختم المتحدث درسه بتعريف القلب الحي وذلك بأنه عندما تتحرر المشاعر كلها من سلطان الهوى وتتجه إلي الله عندئذ يصبح القلب حيًا أبيضًا، يشع النور من جنباته، لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض.. كما في الحديث: “تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها، نُكِتت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نُكِتت فيه نكته بيضاء حتى يصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر: أسود مربادًا كالكوز مُجَخِيًا، لا يعرف معروفًا، ولا يُنكِر منكرًا، إلا ما أُشرِب من هواه”، فإن استغل الشيطان منه غفلة، تذكر الله فعاد إلي ما كان عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201]، وخلاصة القول: أن التغيير المنشود يستلزم بالإضافة إلى إعادة تشكيل العقل: دخول الإيمان في القلب، وتقويته في مواجهة الهوى، والعمل الدائم علي زيادته حتى يسيطر تمامًا على المشاعر ليعيد القلب إلى كامل صحته وحياته.
توفيق الابراهيمي