لا تسَوِّدوا وجهي – نادية الناصري
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ألا وإني فُرُطُكم على الحوض. وأكاثر بكم الأمم، فلا تُسَوِّدوا وجهي، ألا وإني مستنقِدٌ أناسا، ومستنقَدٌ مني أناس. فأقول؛ يا رب أصحابي؟ فيقول؛ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.” رواه ابن ماجه وصححه الألباني
لقد أدى النبي صلى الله عليه وسلم الأمانة، ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وأخرج الناس من ظلمات الشرك والجهل إلى أنوار التوحيد والإيمان، وبذل في ذلك كل الوسع والجهد.
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم” إنما مثلي ومثلُ الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش، وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن، وتغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحُجَزكم عن النار وأنت تقتحمون فيها.” رواه البخاري.
لقد أرجأ دعوته المستجابة واذخرها لأمته يوم الحساب ليشفع لهم عند الكريم الوهاب. في حين تعجل باقي الأنبياء والرسل دعواتهم في الدنيا.
كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة السلام يوم القيامة يقولون من أهوال ذلك اليوم العظيم-:” نفسي نفسي”، إلا الحبيب المصطفى يقول :”أمتي، أمتي،” لقد أحب أمته وأحب الخير لهم وأرشدهم إليه، بل وأحب الخير للناس أجمعين فهو رحمة للعالمين.
أحب أمته، ولم يقتصر حبه على من عاصره منهم، بل امتد ليشمل الذين آمنوا به ولم يعاصروه ونحن منهم- واشتاق لرؤيتهم ولرؤيتنا معهم. ويعبر عن ذلك بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: “وددت أني لقيت إخواني، الذين آمنوا، ولم يروني.” صحيح الجامع
أحبنا واشتاق إلينا، فهل نبادله حبا بحب وشوقا بشوق؟!
كان الحسن البصري، إذا حدث بحديث حنين الجذع إليه عليه الصلاة والسلام. يقول :” يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.
لقد حمل هم أمته حتى بعد موته، حمل همهم في الدنيا والآخرة:” أنا فرطكم على الحوض”.
سبقنا ليستقبلنا ويفرح بوفودنا وورودنا على حوضه الشريف. ليفتخر بنا” وإني مكاثر بكم الأمم”
ثم أعذر إلينا ألا نسوِّد وجهه، ألا نخذِله يوم تدُعّ الملائكة فئاما من أمته يمنعونهم من الحوض، فيدافع عنهم الحبيب:” إنهم أمتي” فلقد رآهم غرا محجلين وتلك علاماتهم.
ولكن الملائكة تخبره بأنهم سوّدوا وجهه، لقد بدّلوا وغيّروا، لقد حادوا عن النهج وأضاعوا ما بذله من أجلهم من وُسع وجُهد.
“إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك”
فيكون جوابه صلى الله عليه وسلم مستاءً متحسرا:” سحقا سحقا لمن بدّل بعدي”
يقول الإمام النووي:” هؤلاء صنفان أحدهما، عصاة مرتدّون عن الاستقامة، لا عن الإسلام، وهؤلاء مبدلون للأعمال الصالحة بالسيئة، والثاني مرتدون إلى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم، واسم التبديل يشمل الصنفين.”
فكلا الصنفين سيسود وجهه الشريفة صلى الله عليه وسلم، مآل سيء لحال سيء، فللأسف، لن يطرد عن الحوض، وعن لقاء الحبيب، ولن يحرم من شربة لا ظمأ بعدها من ارتد عن الإسلام فحسب، بل حتى من حاد عن نهج المصطفى، وتعمد مخالفة سنته وهديه، ولم يتأسّى به.
سيطرد عن الحوض، ومن لقاء صاحب الحوض، من استحل الحرام واستبرأه باستدراج وتزيين من شياطين الجن والإنس، بدعوى أن أغلب الناس قد فعلوا.
فالكثير من المسلمين استحلوا الربا وسموها بغير اسمها فقالوا فوائد، واستحلوا الزنا والشذوذ الجنسي وسموها حرية شخصية، حرم طائفة منهم الحياء فصاروا يطالبون بتحليل الحرام بتقنينه وعدم تجريمه وقالوا بئس ما قالوا:” جسدي حريتي”؛ أعرّيه، أسلمه لمن أشتهيه ويشتهيه أو يشتريه. ويا ليتهم عند هذا الحد وقفوا. بل هجموا عبر إعلامهم المفسد على الحلال ليحرموه وليجرموه كتعدد الزوجات وزواج الصغيرات والحجاب.
لقد زغنا عن المنهج النبوي في التعامل مع الوحي، فأصبح هم أكثر الصالحين قاصرا على حفظ القرآن وضبط حروفه دونما فهم أو تدبر وعمل فكانت النتيجة تضييع حدوده. .
تأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم في سمته وزيه دون خلقه وهديه. فصرنا نجد المصلي، الصائم القائم، الحاج المعتمر، لا يتورع عن أكل أموال الناس بالباطل، وغشهم وخيانتهم، وإن سوئل أو حوسب تسلح بالتدليس والكذب.
غفلنا أو تغافلنا عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لنا بإصلاح القلوب، بتفقدها وبعلاجها من أمراض فتاكة تتسلل إليها ونحن في غفلة ساهون.
يتسلل الحسد والغيرة وسوء الظن والحقد إلى القلوب فتترجمه الجوارح إلى سعي للإفساد بين الناس، وظلم وسحر وقتل وجرم والله المستعان.
كل ذلك بسبب الانتقاء في الاهتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. والله تعالى يقول: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”
يقول ابن القيم في أعلام الموقعين وهو يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم:” فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأقواله وأعماله توزن الأخلاق والأقوال والأعمال، والفرقان الذي باتباعه يتميز أهل الهدى عن أهل الضلال”
اللهم اجعلنا من أهل الهدى والعفاف والتقى، اللهم اجعلنا ممن يستنقذهم النبي صلى الله عليه وسلم فيرِدون الحوض ومنه يشربون، وبجوار صاحبه ينعمون ولوجهه الوضاء يبيضون.