كيف أبقى في عليائي؟ – الزهرة لكرش
وتبقى نفسي في صراع مع نفسها، فما بين المأمول وواقع الحال بون شاسع. همست نفسي في أذن صاحبتها قائلة: ألست أنت من كانت بالأمس تذرف الدموع ندما وحسرة؟ فما لي أراك اليوم قد أسدلت الستار على ما كان بالأمس؟ واستسلمت لأول همس من شهوة أو من نفس؟
أحمرت خجلا وأجابت: أنا لا أنافق، لكني بالأمس كنت أحلق بالسما، فأحسست بدفء الشمس ورقصت مع ضوء القمر. لكن بعد التعب هويت من أعلى فسقطت في حفرة، لم أعد أقوى بعدها على القيام فغمرتني الأحزان.
ثم عادت نفسي لتسأل صاحبتها: وما السر في تغير حالك بين الأمس واليوم؟ قالت: ما بك تكثرين السؤال وتحرجينني كأنك لست أنا، ألم نكن سويا في كل هذا، فما بك تحكمين علي الخناق وتحاكمينني في محكمة أنت فيها القاضي والسجان؟
استغربت نفسي كلام أختها وصرخت في وجهها بأعلى صوتها: ألست من تذكرك في كل وقت وحين أنك من يجب أن يكون في الصف الأول مع الراكعين الساجدين فما خلقت لتغمسي رجليك في الوحل ولا ليكون مسكنك حفرة بلا قعر. سكتت نفسي برهة وأجابت: بلى تفعلين ولكنك في كل مرة توجعين، فكلماتك سهام تصيب قلبي السقيم، فيظل يرثي حاله ويبكي على ما آل إليه وانغمس فيه، باحثا عن مخرج وساعيا للإجابة عن السؤال الذي حيره منذ أعوام: كيف أستمر على حالي وأظل في عليائي؟
ضحكت نفسي من أختها وقالت: دوام الحال من المحال غير أنك تستطيعين المجاهدة للبقاء حيث أنت فمن جرب التحليق بين النجوم عليه أن يرفض أي سقوط مجنون. فلتجعلي رجليك على الأرض وقلبك بالسماء، فما خرج يونس عليه الصلاة والسلام من بطن الحوت إلا بتسبيحه وما شفي أيوب عليه السلام إلا بصبره وما خرج يوسف صلوات ربي وسلامه عليه من ضيق السجن إلى سعة الدنيا إلا لشدة تقواه وتعلق قلبه بربه. ف
من كانت حبال قلبه مشدودة للسماء فلا يرجع ببصره إلى الأرض، ومن تعلق قلبه بالله حبا وطاعة ذاق حلاوة ما بعدها حلاوة، فما عاد يرى بعينه وإنما بنور ربه الذي أنار بصيرته قبل بصره.
تبارك الله عليك. دمت متالقة كعادتك.
انت لا تحلقين بين النجوم، بل انت نجمة تمنح النور للنجوم