كن متفائلا … تكن فاعِلا – رشيد وجري
التفاؤل هو الاستعداد النفسي لرؤية الأمور من وجهتها الحسنة ,أو قل هو الميل لرؤية جانب الخير في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة بإيجابية، وهو من أرقى الصفات التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان سوي يتطلع دائما إلى غد أفضل، والتفاؤل صفة ملازمة لأهل الإيمان بالله والثقة به تبارك وتعالى، والمتفائل دائم الانشراح ويرى في كل شيء جميله ووجهه المشرق عكس المتشائم تماما.
والتفاؤل عملية نفسية إرادية تولد أفكارا ومشاعر للرضا والتحمل والثقة بالنفس، وهو كذلك نظرة مشرقة للحياة، وتوقع الأفضل والأحسن دائما، كما أن التفاؤل صفة ملازمة للإنسان الإيجابي، وهو من أخلاق الإسلام السامية التي دعانا لها الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم وفي سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
ففي القرآن الكريم :
يقول الله تعالى :(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)) سورة يوسف, (أي: لما دخل إخوة يوسف على يوسف { آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي: شقيقه وهو “بنيامين” الذي أمرهم بالإتيان به، [و] ضمه إليه، واختصه من بين إخوته، وأخبره بحقيقة الحال، و {قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ } أي: لا تحزن { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فإن العاقبة خير لنا، ثم خبره بما يريد أن يصنع ويتحيل لبقائه عنده إلى أن ينتهي الأمر).(تفسير السعدي).
قال الله عز وجل أيضا :(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )(87) سورة يوسف.(أي: قال يعقوب عليه السلام لبنيه: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ } أي: احرصوا واجتهدوا على التفتيش عنهما { وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ } فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه، { إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين.ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه،) (تفسير السعدي)
وقال عز من قائل : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (40) سورة التوبة.
أي: إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاللّه غني عنكم، لا تضرونه شيئا، فقد نصره في أقل ما يكون وأذلة { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } من مكة لما هموا بقتله، وسعوا في ذلك، وحرصوا أشد الحرص، فألجؤوه إلى أن يخرج.{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ } أي: هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه. { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } أي: لما هربا من مكة، لجآ إلى غار ثور (1) في أسفل مكة، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب.
فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة، حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال.
“إِذْ يَقُولُ ” النبي صلى الله عليه وسلم { لِصَاحِبِهِ } أبي بكر لما حزن واشتد قلقه، [ ص 338 ] { لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } بعونه ونصره وتأييده. { فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } أي: الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال { لا تحزن إن اللّه معنا }) (تفسير السعدي) , وفي ابن كثير: (يقول تعالى: { إِلا تَنْصُرُوهُ } أي: تنصروا رسوله، فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه، …… ولهذا قال تعالى: { فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } أي: تأييده ونصره عليه،
وقال سبحانه وتعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)(6) سورة الشرح
وقوله: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: { سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا } وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا ” .(تفسير السعدي)
فلنتفاءل جميعا ولا نبتئس، ولا نيأس، ولا نحزن ولنعلم أن بعد العسر يسرا …
وفي الحديث القدسي:
وقال الله سبحانه في حديث قدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي, فليظن بي ما شاء) رواه أحمد بسند صحيح، يعني ما كان في ظنه فأنا فاعله به، إن خيرا فخير وإن شرا فهو كذلك , قال الحسن البصري(أن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وأن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل).
إن حسن الظن بالله هو الذي يترجم إلى حسن العمل نفسه, فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن الظن بربه سبحانه ,أنه يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه, فالذي حمله على العمل حسن الظن,فكلما حسن ظنه حسن عمله وهكذا، فاللهم إننا نحسن الظن بك فأحسن دنيانا وآخرتنا.
وفي الحديث النبوي الشريف:
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:” عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكان خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكان خَيرًا لهُ “. رواهُ مُسْلِمٌ.
أي أنَّ المؤمنَ الحقيقي هو المؤمن في السراء والضراء,مؤمن عند النعمة والعطاء والرَخَاءٌ في الرِّزْقِ وغيرِ ذلكَ يَشْكُرُ اللهَ تعالى وإنْ أصَابَتهُ ضَرَّاءٌ أيْ بليةٌ ومُصِيبةٌ يصْبرُ ولا يَتسَخّطُ عَلى ربِّه بلْ يَرْضَى بقَضَاءِ ربِّه فيكونُ لهُ أجْرٌ بهذِهِ المصيبةِ. ومَعْنَى الشكْرِ هو أنْ يَصْرِفَ الإِنسَانُ النعَمَ التي أعْطَاهُ اللهُ فيمَا يحبُّ اللهُ ليسَ فيمَا حَرَّمَ اللهُ تعالى, فالمؤمن من خلال هذا الحديث دائم التعبد لله عز وجل فإما بعبادة الشكر عند الفرح والعطية أو عبادة الصبر عند الضرر والبلية ,والدنيا بين سراء وضراء أي بين شكر وصبر.
وعن عُبَيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَنْ أَصبح مِنكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
نعم هذا حديثٌ عظيمٌ جمع بين ثلاث نعم كبرى أساسية في الحياة: الأمن والعافية (الصحة) والغذاء,فمن كانت عنده هذه الأمور الثلاثة :(آمِنًا فِي سِرْبِهِ) يعني في مسكنه ومنزله ومن حوله،مطمئنا بين أهله وماله.
الصفة الثانية: (مُعَافًى فِي جَسَدِهِ) أي حفظ الله عليه صحته وبدنه من الآفات والأمراض المقلقة والمزعجة.(عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ): عنده غداءه أوعشاءه، أو عنده ما يحتاج إليه من طعام في يومه، (فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا) وكأنه جمع خير الدنيا كلها، وهذه كلها والحمد لله الآن متوفرة لنا ولأغلبنا، فعلينا أن نشكر اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بأن نستعمل هذه النعم العظيمة في طاعة الله، ولا نتكبر بسببها أو نستعملها في معصية الله، في إسراف وتبذير وبذخ وغير ذلك،
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق)) رواه مسلم، أي لا تستصغر من الخير شيء على قلته، وإن كان الأمر يتعلق بإظهارك له البَشَاشَة والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة. قال بعض العارفين: التبسُّم والبِشْر من آثار أنوار القلب، فالوجه الطلق يرمز للابتسامة والبشر في وجوه الناس وهي عند الله صدقة إن أريد بها وجهه.
قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: ِّبشرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، ولا تُنَفِّرُوا. رواه البخاري
أمَر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ بأمرينِ: التيسير أي التَّخفيفُ على النَّفسِ بممارسة الأعمالِ الَّتي تُطِيق، والاقتصادُ والتوسُّط في نوافلِ العباداتِ والطَّاعاتِ، وعدمُ تكليفِ النَّفس ما لا تُطيقُ حتى لا يؤدِّي إلى السَّآمةُ والملَل المؤدِّي إلى كراهيةِ الأعمالِ الصَّالحة، ثمَّ إلى كراهيةِ الدِّينِ نفسِه، والعياذُ باللهِ!
ودعا صلى الله عليه وسلم إلى التَّبشيرُ، وضدُّه المبالغةُ في التَّرهيبِ والتَّخويف، المؤدِّي إلى النُّفور، ومقصودُه تبشيرُ المسلِمينَ بفضلِ الله وثوابِه، وجزيل عطائِه، وسَعةِ رحمتِه، وعدمُ تنفيرِ النَّاسِ بالقول أو الفعل أو الحال.
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قَالُوا : وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ.أخرجه البُخاري ومسلم .
ومن هنا فقد ربى الإسلام أتباعه المؤمنين على التفاؤل والأمل والبعد عن التطير والتشاؤم لما لهما من خطر على الفرد والمجتمع ككل,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ : هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ. البخاري ومسلم
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الإدعاء بأن الناس قد هلكوا وأن الخير قد انتهى من الناس وهذا مجانب للصواب أكيد، فالخير في الناس أو جزء منهم على الأقل إلى قيام الساعة …
والتفاؤل مطلوب جدا لأهميته في حياة الفرد والمجتمع خاصة في زمن الفتن والتحديات الكبرى كالذي نعيشه اليوم من وباء وغلاء وأدواء .
ومن آثار التفاؤل على الفرد والمجتمع:
- يعزز الإيمان بقدر الله تعالى وقضائه ويوثق الصلة بالله عز وجل
- يقوي النفس ويجعلها صامدة أمام العقبات والتحديات.
- أفضل طريقة لاستشراف الحياة ومواجهة كل تحدياتها.
- هو مصدر أساسي للتحفيز الذاتي والقوة الداعمة لها.
- يساعد بشكل أفضل في اتخاذ القرارات والمواقف والالتزامات.
- يدعم ربط العلاقات الاجتماعية بشكل طبيعي وعفوي، فالناس يحبون ويفضلون التعامل والاستفادة من المتفائلين خفيفي الظل . لذلك فالمتفائل ينجح بسرعة في بناء وتأسيس العلاقات الإنسانية والاجتماعية.
- على مستوى الصحة الجسدية يتمتع المتفائلون بنظام مناعة أكثر قوة وبصحة جيدة.
- يساعد في إدارة التوتر والإجهاد ويلعب التفاؤل دورا وقائيا فيما يتعلق بالانعكاسات السلبية.
- يساهم التفاؤل في تقوية الاعتزاز بالذات وتقديرها.
- كما أن التفاؤل يجلب السعادة والبهجة والارتياح.
ومن النصائح لتحقيق التفاؤل :
- إخلاص النية لله و التوكل عليه تعالى
- حسن الظن بالله عز وجل والاستعانة به
- مصاحبة المتفائلين الإيجابيين المبتسمين.
- التخلص من الخوف من الفشل ومن الأحكام المسبقة للآخرين
- التخطيط الجيد قبل الشروع في التنفيذ
- التركيز على الحلول لا على المشاكل والعقبات
- الثقة في المهارات والقدرات الشخصية
- استشراف المستقبل بإيجابية عوض الاستغراق في الماضي والبكاء على الأطلال.
- التحدث عن الإيجابيات و توظيف الكلمات المفعمة بالتفاؤل والأمل والإيجابية في الحياة.
- التعرف على تجارب الإيجابيين والناجحين المتفائلين.
وختاما تقول الحكمة الجميلة : “تفاءلوا بالخير تجدوه”، ما أروعها من كلمة!! وما أعظمها من حكمة!! فالتفاؤل شعور نفسي عميق وواع يدفع المتفائل إلى الإيمان بالله و حسن الظن والثقة به والعمل الصالح, ليحصد الخير والأجر في نهاية الطريق؛ وذلك لأن التفاؤل يدفع بالإنسان نحو العطاء والتقدّم والعمل الصالح والنجاح في الدنيا والآخرة.
فاللهم اجعلنا من المتفائلين الذين يحسنون الظن بك ويتقنون العمل لأجلك حتى يفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.