كن مباركا في حلك وترحالك.. توجيه تربوي بمناسبة فصل الصيف
الحمد لله حمدا كثيرا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفق بعض عباده لفعل الخيرات وجعلهم مباركين فقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31]، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله دعا لأمته بالبركة في تبكيرها فقال فيما رواه الترمذي عن صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه (اللَّهُمَّ باركْ لأُمَّتِي في بُكُورِها ) صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأخيار. أما بعد:
مع إطلالة الصيف، وشروع الناس في أخذ إجازاتهم الصيفية، وتفرغهم من أشغالهم المعتادة، ومع ما يصاحب ذلك من أفراح وأسفار ولقاءات يحتاج الدعاة إلى الله تعالى إلى أن يتعبئوا إبراء لذمتهم، وقياما ببعض ما يجب عليهم في مثل هذه المناسبات. فبركة الانتساب إلى الدعوة ينبغي أن تصاحب المسلم في حله وترحاله تأسيا بعيسى عليه السلام الذي قال الله عنه: “وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}” [مريم: 31]. وهذا التوجيه محاولة لوضع اليد على بعض الخيور البسيطة والتي لا تحتاج إلى جهد كبير يقوم بها المسلم فيغنم ويكون بها من الفائزين.
أولا: اصطحاب نية الخير والصلاح
من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه المسلم فضلا عن الداعية إلى الله تعالى نية فعل الخير، والتقرب إلى الله تعالى في كل عمل ولو كان من المباحات، فضلا عن الفرائض والمندوبات، وقد وجه النبي عليه السلام المسلم خارج مدينته إلى عدم الاكتفاء بالصلاة لنفسه بل رغّبه في أن يؤذن ويشرك معه غيره في الخير. روى مالك والبخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة : أنَّ أبا سعيد – رضي الله عنه – قال له : (أراك تحب الغَنَم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك ، فأذَّنْتَ بالصلاة ، فارفع صوتَك بالنِّداء، فإنه لا يَسمعُ مَدى صوتِ المؤذِّن جِنّ ولا إنْس ولا شيء، إلا شَهِدَ له يوم القيامة، قال أبو سعيد : سمعتُه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم)، فمن سافر وحط الرحال برا أو بحرا فإنه يمكنه أن يؤذن، ويرفع صوته بالأذان ويجتمع له الناس فيصلي بهم أو معهم فيكتب الله تعالى بذلك خيرا كثيرا.
ثانيا: الصيف والمناسبات الاجتماعية
تكثر في الصيف المناسبات الإجتماعية، وهي فرصة لمشاركة الأقارب والأصدقاء في أفراحهم وهي من حقهم علينا، لكنها مناسبة أيضا للكلمة الطيبة البليغة، التي تراعي المناسبة وتلتصق بها. إن إقامة الأعراس والفرح بالزواج سنة أمر بها النبي عليه السلام، يتم فيها إعلان الزواج، ويكون ذلك أيضا سببا في الترغيب فيه وتحبيبه للشباب والشابات خصوصا في زماننا الذي انصرف فيه بعضهم عن المتعة الحلال في ظل الزواج إلى أنواع من المتع المحرمة التي لا يرضاها الله تعالى لعباده. فعلى المسلم أن يُعرّف في مثل هذه المناسبات بمقاصد الزواج، ويُنبّه على بعض المفاسد التي تصاحب إعلانه برفق وحكمة. وليعلم أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وأن بعض الشر أهون من بعض. كما أن قواعد المقاصد تُفيد أن المفاسد اليسيرة التي تصاحب المصالح الكبيرة مغتفرة ومعفو عنها بإذن الله تعالى.
ثالثا: الصيف والنُزول عند الغير
يحرص المسلم على أن يكون نافعا لغيره، مباركا على من يحل عليهم. ولذلك ينبغي لك أخي المسلم (الداعية) أن تصحب معك نية فعل الخير وتشجيع الناس على الطاعات والقربات، وتذكر وصية النبي عليه السلام حين قال لعي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( انْفُذْ على رِسْلِكَ، حتى تنزلَ بساحتِهِم ، ثُمَّ ادْعُهم إِلى الإِسلامِ ، وَأخبِرهم بما يجبُ عليهم مِن حق الله عز وجل فيهم، فواللهِ لأن يهديَ الله بكَ رجلا واحدا خير لكَ من حُمْر النَّعَم ) البخاري ومسلم. وقد نقل عن أبي حامد الغزالي أنه كان يرى أنه ينبغي لمن عنده علم أن يخص وقتا لتعليمه لأهل البادية، وأن ذلك حقهم على العلماء. واعلم أن مجالس الذكر والنصيحة مباركة وتحفها الملائكة وتغشاها الرحمة فلا تحرم نفسك وغيرك من فضلها.
ومن جهة أخرى يمكنك أخي المسلم أن تصطحب معك بعض المتاع الذي استغنت عنه أسرتك، كفضل اللباس، ولوازم الأبناء الدراسية، أو بعض الكتب والقصص الهادفة كي توزعه على فقراء بلدتك أو القرية التي حللت فيها، وإنك لا تدري فقد تدخل بها سرورا على يتيم أو أرملة أو مسكين فتؤجر عليه، ويكون ذلك سببا أيضا في ربط علاقات تراحم مع الناس..
وتذكر أخي الكريم أنه يجب عليك عند نزولك بأقاربك أن تكون خفيفا عليهم، وألا ترهقهم من أمرهم عسرا فيكرهوا زيارتك ونزولك بهم، واعلم أن الضيافة الواجبة أقصاها ثلاثة أيام وهي تجب في حالة عدم وجود فنادق المبيت. وإذا كنت ستقيم عند بعض أقاربك فساعد في النفقات اليومية، وفي القيام بأعباء البيت ولوازمه، فذلك أدعى إلى أن تبقى محبوبا مرغوبا في ضيافتك، وإلى يكون لقولك ووعظك أثر في أقاربك.
رابعا: الصيف وقضاء الفوائت الفردية والجماعية
بعض الناس يؤجلون أعمال الخير، ويتحينون فرصة الفراغ لإنجازها، فها قد يسر الله لك أخي أياما مباركة في إجازتك، فاحذر أن تضيع منك وأن تكون ممن عاهد الله على إنفاق ما يتاح منها في وجوه الخير فلما آتاك من فضله بخلت وتوليت وأعرضت، واحذر أن تكون من أسرفوا على أنفسهم في تضييع الفرص والأوقات حتى إذا جاءهم الأجل : ” قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ. لَعَلِّيَ أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْت”… فيقال لك كلا، ” أولم تعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير”، وتذكر أنك عما قليل سترحل عن الدنيا، وأنه كما قال الحسن:” إنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك، وقال: ابن آدم! إنما أنت بين راحلتين مطيتين يوضعانك، يوضعك الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، حتى يسلمانك إلى الآخرة”. فاجتهد في استكمال ذاتك بالعلم النافع، والمهارات المفيدة التي تعينك على أداء رسالتك.
واعلم أن الله تعالى أباح لنا أن نستمتع بما حولنا، ودعانا في كتابه أن نتدبر كتابه المنظور. قال تعالى : ” فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوَارِ الْكُنَّسِ، وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ، إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” التكوير من 15 إلى 19. فيمكنك أخي المسلم أن تخصص بعض الأيام لمشاهدة تنفس الصبح وشروق الشمس، وكذلك لحظات لمتابعة الغروب وخاصة في الصحارى أو بجانب البحر، كما يمكنك أن تمارس أنواعا من الرياضات بحسب مكان تواجدك وحسب ما تيسر لك فدين الإسلام يدعو إلى تقوية الأبدان، وإلى حسن العناية بها. والحكمة تقول ” العقل السليم في الجسم السليم”.
خامسا: إصلاح ذات البين والرفق والتسامح في الطريق
وتذكر أخي أن الموعظة لا تكون بالكلام والنصح فقط، بل هي أبلغ بالسلوك الحسن والخلق الطيب، وإن التنقل والسفر مظنة لتفريط كثير من الناس في بعض ما يلزمهم. ففي سفرك ستجد من يخالفون قانون السير، ومن لا يحترمون البيئة، …وفي كل ذلك عليك أخي المسلم أن تكون مسامحا وأن تدفع بالتي هي أحسن. قال الله تعالى: ” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ () وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” [فصلت: 34، 35]. فهذه الآية تؤصل لقاعدة اجتماعية مفادها أن الدفع بالتي هي أحسن يُغير مواقف الغير ولو كان معاديا، ويصبح وليا مصافيا. فإذا وجدنا العداوة أو الصدود والإعراض فلنراجع أنفسنا ولنبحث عن التقصير في الدفع، لأن سنة الله لا تتخلف، وتذكر أن تبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم، وأنك لا تسع الناس بمالك لكن بأخلاقك. روى البزار بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق).
واعلم أخي الفاضل أن الأناة والتريث خصلة يحبها الله، وتجلب محبة الناس. روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال لأشج عبد القيس: ( إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأنَاةُ ). وهذه الخصال نحتاجها عند الخلاف والجدال حول الحقوق قال سبحانه: “وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ” [العنكبوت: 46]. قال صاحب الكشاف: ( الخصلة التي هي أحسن : هي مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم . والسَّوْرة بالأناة ). (السورة : السطوة والاعتداء/ لسان العرب).