كلمة تربوية – مليكة شهيبي
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعيش البشرية اليوم ظرفا استثنائيا وعصيبا، تواجه عدوا لا تعرف له دواء، يغير من جلدته كل وقت وحين غزا العالم أجمع، أصاب المسلم وغير المسلم، الأبيض والأسود، الغني والفقير والقوي والضعيف لا يفرق بين الملوك والوزراء وبين عديمي الحيلة.
جعل أفئدة الناس ترنو نحو السماء، بعد أن استنفذت بعض الدول حلول الأرض فالتجأت إلى الله خائفة من غد مجهول متضرعة إليه سبحانه برفع البلاء وحفظها من الوباء، في مشهد قريب من يوم الحساب بطوله وهلعه، متسائلة هل ستكون مِنَ الناجين أم من الهالكين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب وهذا قريب من مشهد يوم القيامة إذ يقول الحق سبحانه وتعالى “لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار.”
وإن كنا نحن في بلدنا المغرب لم نصل إلى هذه الحالة من الفزع، فالمسلمين في البلدان الأخرى قد أحسوا هذا وعبروا عليه أكثر من مرة.
ربما نعيش نحن لأول مرة في حياتنا هذا البلاء ولأول مرة نخاف من جائحة هذا الوباء ولكن ليست المرة الأولى التي تعرفه البشرية بل كُتب التاريخ الإسلامي مليئة بحوادث وحكايات شتى تخبرنا أن التاريخ يعيد نفسه وسنة الله جارية في هذه الأرض.
فقد تعطل المسجد النبوي والحرم المكي أيام الصحابة وحُبس الناس في البيوت ويُصوّر لنا الإمام المؤرخ ابن الجوزي (ت القرن 5 هـ وباء فاحشا وقع سنة 449هـ” قائلا : وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرِف زائد عن الحد…، والناس يمرّون.. فلا يرون إلا أسواقا فارغة وطرقات خالية وأبوابا مغلقة..، وخلت أكثر المساجد من الجماعات فشغل الدنيا حينها وملأ حياة الناس رعبا،”!!سبحان الله وانحن اقرأ كلمات ابن الجوزي وكأنه يتحدث عن وباء فيروس “كورونا/ كوفيد 19”! 2020م
والقصص كثيرة والتاريخ مليء بهذه الأخبار عن الأوبئة والطواعين لا يسع المجال لذكرها، إلا أنه لا يفوتني أن أقدم بعض التوصيات لي ولكم بين يدي هذا الوضع:
1 – لنحرص على تلقي المعلومة من مصدرها الصحيح: وهذا من صلب ديننا الحنيف : يقول الحق سبحانه”: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، “وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ”.
فإذا أردنا ان نعرف أي شيء عن المرض أو عن أي شيء آخر فلنطرق باب أهل العلم ، وأهل العلم هنا حسب المقال : إذا كنا نريد معرفة عدد المصابين، فوزارة الصحة ومنشوراتها هي الباب الذي يجب أن نَلجَه، وإذا كنا نريد معرفة ما يتعلق بعباداتنا من إغلاق المساجد وتعطيل العمرة ووو ,,, فأهل العلم هم العلماء، والمجالس العلمية هو الباب الذي يجب ان نَطرُق ، دون أن نفتح الباب للجُهَّل وللمعلومات الغير الصحيحة التي تَنْشُر بين الناسِ الرُّعبَ والفزع (من توجيه الدكتور مصطفى قرطاح ).
2 – ألا ننشر عبر الواتساب وصفحاتِ التواصل الاجتماعي، إلا ما تأكدنا من صحته من المصادر التي ذكرناها سالفا لأن اغلب المنشورات اليوم تبتغي الربح المادي، خاصة تلك التي تُذيَّل ب ” انشرها ولك الأجر” أو ” إذا لم تنشرها سيحدث لك كذا وكذا ” … ونحن حَري بنا ونحن نعمل في مجال الدعوة إلى الله أن لا ننخذع بمثل هذه الأمور وألاَّ نساهم في نشرها.
3 – يجب ان نثق في مثل هذه الظروف بأولياء أمورنا من دولة وأجهزة، ونستمع ونلبي كل مطالبها الاحترازية والوقائية التي اتخذتها.
4 – أن نعتبر أن هذا الوباء منحة من الله تعالى، حتى نعيدَ حساباتنِا ونقفَ أمام أنفسنا نرى ما نحن فاعلون، والوقت كله بين أيدينا بعدما كنا نرمي كل تقصير في عبادتنا أو كل زهد في الدعوة إلى الله إلى ضيق الأوقات، خاصة أن الفتن والأوبئة تُظهر معادنَ وخبايا النفوس وتفضح طُرق تفكير الناس.
5 – الالتفاتُ إلى المحتاجين والمتضررين من أسرنا وجيراننا ومعارفنا حتى نُقدم لهم يدَ المساعدة ، أو أن ندُلَّ على من يقُدِّمها إليهم.
6 – التضرع والتذلل إلى الله بالدعاء الصالح عسى أن يرفع عنا هذا البلاء وينجينا من هذا الوبا .
أخواتي الكريمات تصادف هذه الأزمة مناسبتان عظيمتان في ديننا الكريم :
المناسبة الأولى ذكرى الإسراء والمعراج:
هذه الذكرى التي تذكرنا كيف أن الله أكرم نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة، وأيده بها بعد عام متواصل من الأحزان، فأراد الله تعالى أن يخفف عنه المصائب المتوالية في ذاك العام الذي عرف بعام الحزن، فقد توفي عمه أبي طالب الذي كان يدافع عنه وكان سندا له، و كان يوفر له الحماية الخارجية لتبليغ دعوة ربه.
فقد توفيت زوجته وسنده وأم أبنائه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
وكان ثالث هذه الأحزان رجوعه صلى الله عليه وسلم حزينا من رحلة الطائف (بعد دعوة أهلها وقبائلها لمدة عشرة أيام) ورفض أهل الطائف دعوته، فشتموه ه وآذَوه، وأدموا قدميه ورجع إلى مكة ودخل في جوار مشرك…وقال دعوته الشهيرة التي تنم عن حزن عميق وقلة حيلة وذهاب السند : اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس …….الخ.
يطمئننا الله سبحانه بهذا الحدث، إن بعد العسر يسرا وبأن الله سيجزي المحسنين…..وهذا رجاؤنا إن شاء الله، والعالم يعيش عام حزن بسبب هذا الوباء الذي حصد أرواح الآلاف من الناس في مختلف بقاع العالم.
المناسبة الثانية التي نعيشها كذلك هذه الأيام هي دخول شهر شعبان المبارك أسأل الله سبحانه أن يهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام.
فقد أخرج الإمام النَّسائى فى سننه عن أسامة بن زيد ، قال : قلت : يا رسول الله ، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان ، قال : ” ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم .
ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني وهو في الصحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
” إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة، لا يشقى بعدها أبداً “
ومن هذه النفحات : ما ذكره رسول الله حينما سئل عن سر كثرة صيام شهر شعبان قال: فيها ترفع الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا كان ليلة النصف من شعبان، اطَّلع الله إلى خلقه ؛ فيغفر للمؤمنين، ويُملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه” ( صحيح الجامع: 771).
وان كانت من منح نذكرها في هذه المحنة ف:
- منحة الوقت الذي لم يكن يسعنا للصيام والقيام وها هو الفائض من الوقت قد صادف هذا الشهر الفضيل شهر شعبان.
- منحة الاجتماع في مكان واحد مع الأزواج والأبناء التي عادة لا تتحقق فإما الأزواج في الأعمال أو الأبناء في المدارس أو الأشغال.
نسأل الله سبحانه ان يلهمنا الرشد والسداد وأن ترفع أعمالنا إليه ونحن في موقع الطاعات
كما نسأله سبحانه أن يحفظنا وإياكم بحفظه، وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين
“فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” [يوسف: 64]
وأن يكشف هذا البلاء عن عباده أجمعين أنه تعالى هو ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .