كأس إفريقيا للأمم تأكيد الانتصار الكروي المغربي وفرصة لتقديم النّموذج القيمي الجامع للمغاربة

يستعد المغاربة بشغف بالغ لاحتضان بلدهم لنهائيات كأس إفريقيا للأمم، آملين أن يحقق المنتخب الوطني إنجازات تليق بما راكمه من تجربة وخبرة رائدة. وإلى جانب الأمل في الانتصار الكروي، تبرز فرصة ثمينة لتقديم نموذج حضاري يجمع بين الأصالة والقيم الإنسانية الرفيعة؛ نموذج سبق أن بهر العالم خلال مشاركة المغرب في مونديال قطر 2022، حين ظهرت قيم البر بالوالدين وصلة الرحم، والانضباط، والاعتزاز بالدين، ونصرة قضايا الأمّة، والتوكل على الله المقرون بإتقان العمل.
فكيف يمكن للمغرب، خلال هذه التظاهرة القارية وما يليها من استحقاقات مونديال 2030، أن يقدم وجهه القيمي الأصيل، ويُعرّف ملايين المتابعين بقيم الإسلام السمحة، وبالخطاب الوطني الموحد، وبالهوية المغربية الأصيلة والمنفتحة على الحكمة العالمية؟
إن تحقيق هذا الطموح مشروع مجتمعي، يقتضي انخراطًا متكاملًا من الدّولة بكلّ مؤسّساتها، ومن الأسرة والمدرسة والإعلام والجماعات المحلية والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني.
أولا مؤسسات الدولة:
إن الدولة بكل وزاراتها ومؤسساتها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية هي المسؤول الأول عن نجاح هذا الاستحقاق، وإذا كانت بعض الجوانب المادية للاحتضان قد تحقق منها الكثير بحمد الله تعالى، من مثل الطرق والمنشئات الرياضية والسياحية، فإن المأمول مواكبة هذا العرس الكروي بيقظة وهمة عالية، ذلك أن نجاحه سيقدم دون شك صورة مصغرة لمغرب 2030، وسيكون مدعاة لمزيد من الدعم العالمي للمغرب في قضاياه الاستراتيجية ومنها وحدته الترابية. ومن ثمّ لابد من استنفار كل المؤسسات لتقوم بأدوارها المنوطة بها، وفق رؤية تراعي القيم الجامعة للمغاربة وتستثمر في الانسان وكرامته.
ثانيا الأسرة البذرة الأولى للخطاب القيمي:
للأسرة دور محوري في غرس السلوك الحضاري لدى الأبناء، من خلال تهيئتهم لهذا الحدث الإفريقي الكبير، وحثهم على التحلي بالأخلاق الرفيعة في التعامل مع الضيوف: بدءًا بالسلام والابتسامة، مرورًا بإظهار روح الأخوة الإنسانية، وانتهاءً بنبذ كل مظاهر التمييز أو الإقصاء. ويمكن للآباء أن يغرسوا في أبنائهم ثقافة الفرجة الراقية، واحترام المرافق العامة، وتجنب أنماط السلوك الضارة.
ثالثا المدرسة فضاء لغرس قيم الرياضة النظيفة:
يمكن للمؤسسات التعليمية ضمن أنشطتها التربوية والموازية أن تسهم في هذا الحدث بإبراز قيم الروح الرياضية والعمل الجماعي واحترام الضيوف، والحفاظ على المنشآت، ونبذ العنف، والالتزام بالنظافة وحسن المظهر. ويتأتى لها ذلك من خلال تحيين المواد الدراسية اليومية، وتنظيم إذاعات مدرسية خاصة بالحدث، وكذلك مسابقات وعروض وورشات يشارك فيها التلاميذ.
ولأجل تحقيق هذا الأمر فإن المأمول من وزارة التربية الوطنية والتعليم الاولي والرياضة أن تصدر مذكرات ترغب في تنظيم أنشطة مواكبة للحدث.
رابعا الإعلام وصناعة الصورة الإيجابية للمغرب:
للإعلام دور رائد في إبراز القيم الوطنية وتقديم محتوى يعرّف العالم بعمق المغرب الحضاري.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
- استضافة القنوات الرسمية للعلماء والمفكرين وبلغات متعددة،
- إنتاج محتوى بصري وإخباري يلتقط الصور المشرقة، ويتفادى الخطاب الذي يختزل الرياضة في الأهداف المادية ويُقصي البعد القيمي.
- قيام بعض المؤثرين بأعمال فنية وتربوية تعرف بأصالة المغرب وقيمه الجامعة.
خامسا الجماعات المحلية:
يمكن للجماعات الترابية أن تقوم بدور أساسي في تحسين جمالية المدن وتجويد نظافتها، وهو ما يمكن تعزيزه خلال فترة هذه البطولة القارية. كما يمكن لها أن تنظم فعاليات ثقافية ورياضية موازية لتعريف الضيوف بعادات المغاربة وتراثهم حسب الجهات، مما يعزز الجاذبية السياحية والقيمية للمغرب.
سادسا المساجد والمؤسسات العلمية خطاب يرسّخ الأخلاق العامة:
المسجد في الإسلام رافعة كبيرة لصناعة الإنسان وغرس القيم، وهو فضاء يتردد عليه المسلمون خمس مرات في اليوم، وتُلقى فيه الخطب والدروس، ومن ثم يمكن للمجالس العلمية، ومؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة أن ينخرطوا في هذا الورش من خلال:
- توجيه الخطباء إلى تناول موضوع السلوك الحضاري وأخلاق الرياضة ومقاصدها،
- تنظيم ندوات بالتعاون مع قناة محمد السادس للتعريف بتاريخ المغرب وعُمقه الإفريقي.
وفي هذا الإطار لابد من تذكير القائمين على المنسآت الرياضية بوجوب توفير وتأهيل فضاءات وأماكن الصلاة في الملاعب التي ستجرى فيها المباريات، فلا يُقبل أن تنفق مئات الملايين لأجل تهيئة الملاعب وتجديدها، ثم لا يجد المتفرجون أمكنة لائقة بالوضوء وأداء الصلاة في وقتها.
سابعا المجتمع المدني الحارس الأمين للقيم الجامعة:
تستطيع الجمعيات إطلاق مبادرات تطوعية لاستقبال الضيوف وتنظيم حملات النظافة وتوعية الجماهير بثقافة التشجيع الحضاري.
وينبغي لهذه الجمعيات أن تكون يقِظة تجاه كل محاولات التشويش على قيم المغاربة الجامعة، وأن تعمل على محاربة الترويج للمخدرات أو السلوكيات الشاذة المخالفة لقيمنا الأخلاقية والدينية، والتجربة القطرية ملهمة في هذا المجال.
خاتمة:
إن تنظيم كأس إفريقيا للأمم ليس مجرد اختبار للمنشآت الرياضية أو المرافق التي أعدها المغرب استعدادًا للمونديال، بل هو اختبار للقدرة المغربية على تقديم نموذج حضاري متكامل يعرّف العالم بقيمه الأصيلة، ويُبرز وحدته الداخلية، وإشعاعه الثقافي، وعمقه الإفريقي المتجدد.
الدكتور حسين الموس




