قواعد في التدافع الحضاري
حفل القرآن الكريم والسنة النبوية بالنصوص الشرعية التي تدعو إلى التدافع، ومن ذلك قوله تعالى: ” وَلَوْلَا دفاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين” البقرة252. وحتى يكون التدافع مثمرا نافعا فاعلا نقترح القواعد الآتية:
تبين وبيان مفهوم التدافع من خلال دراسته دراسة علمية تسند إلى الأصول المرجعية للمعرفة الإسلامية وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية، وذلك وفق رؤية مقاصدية تجديدية حضارية.
تتبع تطبيقات السنة النبوية لسنة التدافع من خلال نصوص السنة الشريفة فهي تفسير وبيان لما ورد في القرآن الكريم مجملا أو عاما.
الوقوف على أحداث السيرة النبوية الشريفة فهي صورة عملية لحياة النبي عليه السلام وكيف تمثل سنة التدافع ممارسة عملية في حياته في مختلف الأحداث، ومن ذلك: دراسة قصص الأنبياء مع أقوامهم؛ ذلك أن وظيفتهم كانت هي محاربة صور الفساد في العقيدة فكانت دعوتهم تقوم على أساس نشر عقيدة التوحيد بين الناس، ويعد عملهم ذاك شكل من أشكال التدافع التي تمنع الفساد في الأرض، فلو افترض عدم قيام الأنبياء بهاته المهمة لفسدت الأرض، والأمثلة على هذا كثيرة نذكر منها: دعوة نوح قومه إلى توحيد الله مدة طويلة من الزمن.
دفع الفساد في الأرض عملية صعبة تتطلب التحلي بالصبر عليها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقد علمنا كيف تعامل الله مع نبيه يونس حينما غادر قريته التي كانت تعبد الأوثان ولم يطق البقاء معهم، دون إذن من الله تعالى، وكانت عقوبته بقاؤه في بطن الحوت مدة إلى أن خرج منه برحمة الله وعفوه بما كان مسبحا ومعترفا بخطئه ذاك.
ـالتعرف على المفهوم الصحيح للفساد وصوره حتى يمكن دفعها، فليس كل ما يقال فسادا فهو كذلك فلابد من التأسيس العلمي الدقيق لكل مفهوم، وعلى قدر ضبط المفهوم تكون الممارسة صائبة على اعتبار أن المفاهيم قائدة الممارسات.
بث القيم الإسلامية الأصيلة التي تمنع الفساد في الأرض بشتى تجلياته، فإن من شأن العمل بهذه القيم دفع الفساد في الأرض. قال تعالى : ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” التوبة، 105، فمتى عمل الانسان مطلق الانسان عملا صالحا، رآه الناس واقتدوا به وبذلك يدفع الفساد عن الأرض” والناظر في سيرة رسول الله عليه السلام يجدها كلها تبشير ودعوة إلى الالتزام بمكارم الأخلاق.
الانفتاح على الآخر والبحث عن المشترك معه في سبيل دفع الفساد عن الأرض، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، ويدخل تحت استثمار كل المواقف والأحداث التي تدعو وتتبنى موقف التدافع الحضاري بين قوى الخير والشر، ودعم هذا المواقف من خلال المشاركة في المحافل العلمية التي تتبنى وتناقش صور الفساد العالمي وتسعى الى تحليلها ومناقشتها وإيجاد الحلول المناسبة والممكنة لدفعها، وكذا الانفتاح على الفكر الغربي وما يتضمنه من معارف تمكن من بناء هذا المشترك من أجل إحلال السلام الذي هو الغاية من التدافع الحضاري.
إن ما قام به النبي عليه السلام من توجيه الصحابة إلى بلاد الحبشة حيث النجاشي الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد، يعد صورة من صور تعزيز مبدإ دفع الفساد في الأرض وذلك بالتعاون مع كلما نرى منه تقاطعا مع هدي الإسلام في الأرض، فقيمة الدفاع عن الحرية من الأمور التي دعا إليها الإسلام، وهي كذلك مما يدفع الفساد عن الكون، والنجاشي كان متمسكا بها فيكون من الصواب عقد التحالف معه في الدفاع عن هذا المبدأ وغيره من المبادئ التي تنسجم ودين الإسلام.
في بعض الأحيان قد تجتمع ـ في سياق التدافع ـ المصالح والمفاسد الشرعية، والحال هذه فإن مباحث علم أصول الفقه تغني في هذا الشأن فقد وضع علماء الأصول قواعد في ذلك يرجع اليها ويهتدى بها من أجل إيجاد المخارج.
العناية بالجهود العلمية الخاصة بهذا الموضوع، سواء أكانت كتبا أم أبحاثا أم ندوات،… وخاصة تلك التي تعنى بتفكيك مفهوم الفساد المعقد والمتعدد الأبعاد والتجليات، وذلك بالتعريف بها وتعميمها بين الناس فإن ذلك سبيل من سبل التدافع. تصرفات المسلمين في علاقاتهم الاجتماعية اليومية سبيل من سبل التدافع الحضاري، فقد طلب الله منا العمل، فقال : “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون “التوبة، 105، ومن العمل احسان المعاملة مع الناس فإن ذلك لا شك يجعل الاخرين يعزز قيم الصلاح ويدفع الفساد ومنه تصلح الأرض ولا تفسد.
ذ. عبد الحق لمهى