قليل من التنظير، كثير من العمل – بنداود رضواني
هل يمكن اختزال الإنسان في ذلك الكم الهائل من المعارف والمعلومات التي يختزنها عقله..؟
وهل يعد النبوغ المعرفي معيارا على تفوق المرء ونجاحه، إن كان الأمر كذلك، فهل هذه المكاسب المعرفية هي المعيار الأوحد الذي لا ثاني له لهذا التفوق؟
أهمية الفكرة ودور المعلومة في حاضر الإنسانية ومستقبلها أمر معلوم، بل مما يتمايز به الإنسان عن سائر المكوَّنَات هو صناعة الفكرة وإنتاج المعلومة وإدراك الحقيقة…
ومع ذلك فالفكرة مهما بلغت من الوجاهة والصدقية، تبقى حبيسة التجريد، رهينة التنظير لا غير، إذا لم تتحول إلى فعل وممارسة في الواقع.
وفي يومنا هذا لا يشكو الواقع الإسلامي من هزالة المعرفة الدينية أو الدنيوية، ولا إلى الرؤى الإبداعية، بل الأمر خلاف ذلك، إذ أن هناك من المعارف والعلوم التي أنضجت بحثا حتى أحرقت، لكن ومع ذلك لم تجد سبيلا إلى حياة المسلمين وواقعهم للأسف !!
لقد عرفت أقوى القضايا الإنسانية وأعظمها شأنا، ألا وهي قضية” الإيمان بالله”، يسرا في التنظير وبساطة في العرض، لكن كان لأثرها قوة وعظمة…، برز هذا الأمر بوضوح في صدر الإسلام مع الجيل الأول للمسلمين.
فالإيمان الذي عاش عليه الصحابة لم يقتصر قط على التصديق العقلي المجرد، ذلك بأن الله خالق كل شيء ومليكه….، بل الذي شغل نهارهم وأرق ليلهم، مدى امتثالهم لمقتضيات هذا التصديق والتي تجلت حقيقة في ما ينهضون به في الواقع من أعمالهم اليومية…
فالإيمان إنما يعني لهم شيئا واحدا بعد الإقرار باللسان أنه: ” تصديق بالجنان وعمل بالأركان “.
هذه الصورة الإيمانية أفرزت مجتمعا فريدا ومميزا لم يجد الزمان بمثله…، والسر في ذلك أنهم جعلوا من الحياة مسرحا للدعوة إلى الله، والتدافع مع الشر، وتعزيز الأخوة، ونبذ الشقاق، و الإعراض عن الكلام الذي لا يفضي إلى عمل، ولا يرى له أثر، مستبصرين في ذلك بمنهج العملي للقرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة.
لكن لما خلف من بعدهم خلف أضاعوا العمل، وغرقوا في لجج المنازعات الكلامية، والمهاترات الفلسفية، ولغو الحديث عن المنزلة بين المنزلتين…، والوعد والوعيد… تخلفت الأمة عن الرسالة التي من أجلها وجدت، والمهمة التي بسببها أخرجت للناس.
إن المقارنة بين السيرة العملية للنبي، وما ورد عنه من أحاديث ليجلي المنهج الذي عاش عليه الصلاة والسلام، ألا وهو القليل من الكلام والكثير من العمل…، لذا يستغرب المنصفون من غير المسلمين أن تكون لمحمد صلى الله عليه وسلم هذه الإنجازات العظيمة في هذه السنوات القلائل من حياته…، إذا ما قورنت بحيوات من سبقوه من الرسل والأنبياء ..
عليه الصلاة والسلام بأبي هو وأمي..