قصة ملحمة إنقاذ ريان… دروس ووصايا للإنسان
ريان الطفل المغربي المسلم, ابن الربيع الخامس من عمره زلت قدمه فهوى في غياهب جب ضيق وعميق تركته يد الإهمال دون غطاء , فذاق البريء رحمه الله تعالى ألم السقوط والضيق والبرد والجوع والعطش وفزع الظلام والوحدة لخمسة أيام متعبةو شاقة حسب تقديرنا وكما يبدو لنا نحن البشر ,وإلاّ فقدرة الله عز وجل قادرة على جعلها غير ذلك سبحانه الحكيم الخبير، ثم خرج بعد جهد جهيد وعمل مضن وفيه الكثير من الحفر والتنقيب والصبر والألم والأمل، وهو جثة هامدة رحمه الله تعالى وجعل مثواه الجنة ورزق أهله ومحبيه ومن تألم لفراقه الصبر والسلوان.
انتقل الطفل ريان المجمِّع الذي جمَّع الله به قلوب العالم حول حبه والتعاطف معه والدعاء له إلى رحمة الله تعالى وترك حسرة وأسى وألما في نفوس الأهل والوطن بل وفي أنفس الإنسانية كلها. تركنا ريان العالمي لكنه علمنا دروسا وهو لم يلج المدرسة بعد، وأوصانا وصايا حول الطفولة والأمة و الإنسانية إليكم بعضها أيها الأحبة :
- علمتنا هذه القصة “المحنة” التي تحمل في طياتها “المنحة” أن قدرة الله تعالى ماضية وأن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد، فكل محدَث صادر عن علمه، وقدرته، وإرادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية) (فتح الباري، لابن حجر (1/ 118).) قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].,وقال أيضا عز من قائل: ﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا ﴾ [الأحزاب: 38]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (البخاري). إذن لا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره وهي قضية إيمان وعقيدة عندنا .
- أن قصة ريان أحيت فينا وحدة الأمة والالتفاف حولها وأعادت لها وهجها وبريقها ومكانتها،فأمتنا أمة واحدة وشعوبنا جسد واحد، قال الله تعالى:(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء 92) ووحدة الأمة ضرورة مؤكدة فقيام مصالح المسلمين في الدين والدنيا لا يكون إلا بوحدتهم واجتماع كلمتهم على الحق، وما أكثر المفاسد الناتجة عن الفرقة والاختلاف ولعل من أخطرها : مخالفة أمر الله ورسوله, اختلاف القلوب وتفريق الدين , الفشل وذهاب الريح نسال الله تعالى السلامة والعافية.
- وتعلمنا كذلك أننا في أمس الحاجة إلى إحياء قيمنا الأصيلة والعميقة التي لا غنى لنا عنها لمواجهة كل الخطوب والمحن والأزمات من قبيل: التعاون والتآزر واستشعار حاجة الآخر، التلاحم وهذا ما كان واضحا وجليا في قصة الريان المعلِّمة , فبهذه القيم تضافرت كل الجهود لإنقاذه وبها تعاطف معه الجميع من مشارق الأرض ومغاربها ,وبها تتبع الإخوة حالته في كل بقاع العالم وعبروا عن ذلك صوتا وصورة ..
- ومن دروسها المهمة أن الإنسان هو أكبر قضية لنا بعد إيماننا بالله تعالى وعبادته وأكبر ما يمكن التضحية من أجل إنقاذه والدفاع عن مصالحه وإحيائه يقول الله عز وجل (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)الآية ,وهذه من أولى قضايانا وهمومنا التي أحيتها ملحمة ريان الإنسانية وسلطت عليها الأضواء التي تستحق, فإن كانت موجودة إلا أنها أهملت وأريد لها أن تنزوي في ركن منسي غابر يواريه الغبار ؟, وعندما نقول الإنسان فإننا نقصده في كل بقعة في هذا المعمور سواء إخواننا في فلسطين أو في سوريا أو في اليمن أو في أوروبا أو أمريكا أو غيرها ..
بلى إنالإنسان في هويتنا ذو كرامة ومكانة عالية قال الله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾.لكن التفاهات التي تتصدر اليوم المشهد والاهتمام فيالإعلام وفي غيره غيبته وجعلته قضية ثانوية هامشية فيتحدثون عنه كأرقام وكقوة استهلاكية تزيد من أرباحهم ليس إلا..
- واتضح لنا بلا أدنى شك أن أغلب المنابر الإعلامية مضللة ولا تعير أيه أهمية أو اهتمام للإنسان و القيم والمبادئ السامية ، بل همها الشهرة وفتات من الدنيا زائل, إلا القلة القليلة منهم من أهل المهنية يجب دعمهم ومساندتهم لأنهم يضايقون ويحاربون ويغيبون لكي يتركوا المجال لهذه الغثائية الهدامة وتغيب عنا الحقيقة ويضيع الحق , فالأخبار الزائفة في قصة ريان هي من تصدرت المشهد للأسف الشديد وكان يتوجب على كل متتبع أن يتمحص ويبذل مجهودات مهمة للوصول للمعلومة الصحيحة والبناءة وللحقيقة المجدية ..
- ومن الدروس أنه عند الشدائد تظهر المعادن النفيسة والأصيلة من البشر وغالباً ما تطبعها البساطة والحياء والجاهزية لتقديم يد العون والمساعدة والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الإنسان وحياته , كما أنها تعري المعادن المغشوشة والمزيفة وأهل الركوب على القضايا واستغلالها أبشع استغلال لفائدة مصالحهم الضيقة والخسيسة ( استغلال قضية ريان للاغتناء و تكثير عدد المشاهدين و…), والمغرضة أحيانا أخرى.
- وتعلمنا أن الحمَاس غير المعقلن وغير الواعي والاندفاع الزائد قد يؤدي ويضر من ندعي حبه والتضامن معه ومساعدتهعن قصد أو عن غير قصد (وهنا نثير حماس واندفاع الذين حضروا عين المكان وتسببوا في عرقلة سير عملية الإنقاذ للأسف الشديد), فالحماس وإن كان محمودا لابد له أن يتسلح بالوعي والعلم والنضج حتى لا يكون هداما ومكلفا ؟؟!
- ومن الدروس أن عملية الإنقاذ ليست سهلة كما يبدو للمتفرج والمتابع عن بعد, بل تتطلب صبر ا ومصابرة ومجاهدة ودقة متناهية خاصةً إذا تعلق الأمر بالنفس الإنسانية الغالية التي كرمها الله تعالى وما يتطلبه ذلك من حذر وانتباه وخبرة, لذلك يتوجب على الدول تهيئ كل ما من شأنه أن يساعد في ذلك وييسره ويسرعه في أوقات الرخاء قبل الشدة مهما كانت تكلفته وثمنهم لأن حياة الناس أغلى وأنفس.
- وأدراكنا بجلاء أن القضية إذا أرادها الله تعالى أن تنجح وتنتصر ويحسب لها ألف حساب أعد لها الظروف اللازمة لتصير قضية رأي عام محلي أو وطني أو دولي , لذلك لابد من المساهمة في التعريف بالقضايا الكبرى للأمة والمشاركة بها حتى تحظى بالاهتمام الذي تستحق خاصة ما يتعلق منها بقضايا الهوية والإنسان والقيم …
- واستفدنا أن أولوياتنا الكبرى يجب أن تصب كلها في خدمة الإنسان آماله وآلامه وهويته وكرامته، فالإنسانالذي كرمه الله تعالى، في حياته ومماته وتنميته وتعليمه وصحته رفاهيتهوغيرها ,وليس على التفاهات والهامشيات كما هو الحال اليوم في إعلامنا وسياساتنا وثقافاتنا (من فن ورياضة وترفيه رغم أهميتها لكن يجب أن تأخذ حجمها الحقيقي، وليس على حساب الأولويات والقضايا الكبرى) .
- أن بعض الأخطاء البسيطةوالمهملة (إزالة غطاء الجب مثلاً في قضيتنا, أو عدم تغطيته) قد تكون كلفتها باهظةومكلفة فلنحذرها ونساهم جميعنا في الوعي والتنوير في دفع الأذى عن الناس وجلب المصلحة لهم ..
- ومن التوصيات التي يمكن التنبيه عليها ما يلي:
- لابد من جعل القضايا الإنسانية في الريادة وقطع الطريق على القضايا التافهةوالإلهائيةالمشوشة
- لابد من إماطة الأذى عن الناس – وهنا نقصد تغطية أفواه الآبار التي تبتلع الأبرياء أو طمرها في حالة عدم استعمالها في قضيتنا هاته – وإلا فالأخطار في حياتنا متعددة ومتنوعة ويجب العمل على إزلتها أو المساهمة في ذلك كلما أتيحت لنا الفرصة، فالأخطاء وإن كانت بسيطة أخطارها فادحة ومؤلمة جدا قد تتعلق بأرواح الناس وهذا في جل المجالات التي يعمل ويوجد فيها الإنسان ؟؟؟!!
- لابد من توفير الأساسيات للناس حتى لا يجهدهم البحث عنها ويضنيهم مما يفتح المجالأمام الأخطاء المؤذية والمدمرة أحيانا : الماء والطرق و…
- الإعلام وما أدراك ما الإعلام خطر وسيف ذو حدين قديبين الخير شر وقد يزين الكذب ويخوف من الصدق والعكس صحيح لذلك لابد من التنبه وحسن التعامل؟, كما يجب على الأمة والخيرين منها الاستثمار فيه وذلك لأن أغلب المؤسسات الإعلاميمية موجهة ويملكونها أطراف يعادون الأمة وهويتها وقضاياها ؟؟؟!!
- لابد من الاهتمام بالمناطق المهمشة ورد الاعتبار لها والعناية بأفرادها من خلال : الاهتمام بالإنسان فيها سواء كان طفلا أو شابا أو شيخا ,ذكرا كان أو أنثى , ثم الاهتمام ببنيتها التحتية ومدها بالمرافق والخدمات الضرورية , ثم لابد من التنبيه على المخاطر دائما وسن قوانين لتفاديها مستقبلا فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن في أحيان كثيرة ….
- ليس بالضرورة أن تحصل أعلى الدرجات والشواهد والنياشين والمراكز لكي تنفع أمتك ووطنك فيكفي أن تكون لديك خبرة وتجربة في مجالك وكذا قصد طيب ونية صالحة وهم نصرة هذه الأمة ومساعدتها على النهوض وأخذ زمام المبادرة ..
- البلد في حاجة لكل أبنائه وبناته فيمكن الاستفادة من الخبرة والتجربة ولو من البسطاء “الذين هم في الهامش” (نموذج عمي علي الصحراوي) خاصة عندما يتعلق الأمر بجلب مصلحة للناس أو درء مفسدة عنهم ..
ونذكِّر بأن كلماتنا البسيطة هاته لا ندعي فيها كمالا ولا سبقا ولا إحاطة من جميع الجوانب ولكن حسبنا أننا حاولنا المساهمة والإفادة بجهد المقل حتى لا تمر علينا هذه “المحنة” المعلمة, وهذه “الملحمة” التي تستحق الافتخار دون استخلاص للدروس و العبر التي من شأنها تنوير حياتنا وتجاوز أخطائنا في المستقبل …
وفي ختام هاته الكلمات التي نسأل الله تعالى أن يجعلها في ميزان حسناتنا ومن قرأها واستفاد منها أو ساهم في ذلك نقولشكر الله لكم ابننا “ريان المعلِّم” لقد علمتنا جميعا – ولو لم يسبق لك أن ولجت مدرسة أو معهدا – دروسا ستبقى راسخة في أذهاننا ما حيينا .. و رحمك الله تعالى “ريان المجمِّع” الذي جمع الله بك الأمة على أهم قضاياها وجعل مثواك الجنة ورزق أهلك وذويكوشعبك والأمة جمعاء الصبر والسلوان وحسن العزاء, وجعل قصتك وملحمتك هاته فاتحة خير على نهضة أمتنا و نصرتها، فاللهم ألف بين قلوب المسلمين والمسلمات، و انصرهم على الأعداء، وأدفع عنهم البلاء والوباء، وعافهم واعف عنهم، وفرج كربهم وأكشف همهم وأصلح ذات بينهم وبالهم يا الله, إنك بكل جميل كفيل وأنت حسبنا ونعم الوكيل … آمين والحمد لله رب العالمين.
رشيد وجري